فاتورة مواجهة إيران: المشاركة العربية في خدمة المصالح الأميركية-الإسرائيلية

14 يناير 2019
أعلن نتنياهو تنفيذ مئات الغارات بسورية ولبنان(أرييل شاليط/فرانس برس)
+ الخط -
ترتسم معالم مرحلة جديدة من المواجهة الأميركية - الإيرانية عنوانها الأساس حشد أكبر عدد من الدول معاً في مواجهتها، بدءاً من إسرائيل مروراً بدول عربية وأوروبية، وذلك بحسب ما كرّست زيارة وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى منطقة الشرق الأوسط والتي ترافقت مع الإعلان عن مؤتمر دولي سيلتئم في 13 و14 فبراير/ شباط المقبل في العاصمة البولندية وارسو، ويُعنى بمواجهة إيران و"دفع السلام والاستقرار في المنطقة".
وعكست الدعوة التي وجهتها الولايات المتحدة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزراء خارجية عدد من الدول العربية لحضور المؤتمر، التحوّل الكبير الذي طرأ أخيراً على طابع العلاقة التي تربط تل أبيب بعدد من أنظمة الحكم العربية، والتي ظلّت حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل تشير إليها تصريحاً وتلميحاً. ونظراً لأنه قد تم الكشف عن دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، لنتنياهو ووزراء خارجية كل من السعودية، مصر، الإمارات، المغرب، الأردن، والبحرين، بعدما قام بجولة في هذه الدول، باستثناء المغرب، يمكن القول إن الوزير الأميركي لم يُقدم على هذه الخطوة إلا بعد الحصول على موافقة حكومات هذه الدول على المشاركة في المؤتمر إلى جانب إسرائيل.
ويتضح من صياغة جدول أعمال المؤتمر، كما كشف عنه الأميركيون، أن كلاً من واشنطن وتل أبيب ستحاولان أن تفضي مخرجات المؤتمر إلى خدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية في المنطقة، تحديداً في ما يتعلق بمواجهة إيران التي اكتفت، حتى يوم أمس، بإدانة مؤتمر بولندا واستدعاء القائم بالأعمال البولندي في طهران، وسلّمته مذكرة اعتراض على المؤتمر مؤكدة أن طهران ستتخذ خطوات إزاء وارسو في حال عدم تراجعها عن ذلك.

وكما كان متوقعاً لم تتأخر إسرائيل في توظيف هذه التطورات لصالحها، بما في ذلك خروج رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للمجاهرة في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية أمس الأحد، بأن إسرائيل هي التي نفذت الغارة الجوية، يوم الجمعة الماضي، على سورية. وقال: "في الـ36 ساعة الأخيرة أغار سلاح الجو على أهداف في سورية، وأثبتنا أننا لن نوقف عملية وقف التموضع الإيراني في سورية". 
كما أشار نتنياهو إلى أن الاحتلال نشط في السنوات الأخيرة في جملة من العمليات العسكرية المختلفة، إذ "عملنا بنجاح مثير للانطباع لوقف التموضع العسكري الإيراني في سورية، وأغار الجيش مئات المرات وقصف أهدافاً في سورية ولبنان. كما عملنا بنجاح ضد أنفاق حزب الله وأنفاق حماس، وأحبطنا مئات العمليات الفردية". وجاءت تصريحات نتنياهو بعد يومين من اعتراف رئيس أركان جيش الاحتلال، غادي أيزنكوت، بأن إسرائيل نفذت آلاف الغارات والعمليات في سورية ومناطق أخرى منذ العام 2017، بينها عمليات برية.

وبطبيعة الحال لن تقتصر ساحة المواجهة مع إيران على سورية. ويعزز التأكيد الأميركي على دور المؤتمر المقبل في ضمان الاستقرار في المنطقة، من احتمالات محاولة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل دفع أنظمة حكم عربية للانخراط في تحرك لتضييق الخناق على أطراف عربية مرتبطة بإيران، مثل "حزب الله" في لبنان، أو أخرى تتلقى دعماً منها، مثل حركة "حماس" في قطاع غزة، مع كل ما ينطوي عليه هذا التطور من تداعيات.

ومن الواضح، بالاستناد إلى التقديرات الإسرائيلية، أن أنظمة عربية ستكون مطالبة بدفع القسط الأكبر من فاتورة مواجهة إيران. ولعله لم يكن من قبيل الصدفة أن بعض أوساط التقدير الاستراتيجي في تل أبيب قد حثت على الدفع بقوات عربية إلى شمال شرقي سورية لتحل محل القوات الأميركية التي قررت إدارة دونالد ترامب سحبها.
وفي هذا السياق، برزت الدعوة التي أطلقها عيران ليرمان، مساعد مستشار الأمن القومي السابق لنتنياهو، الذي اعتبر أن إرسال قوات عربية إلى شمال شرق سورية، يخدم مصالح تل أبيب الاستراتيجية، لأنه يسهم في تقليص قدرة إيران على التمركز في سورية من جهة، ويعيق قدرة تركيا على التحرك هناك، من جهة أخرى.
إلى جانب ذلك، فإنه إذا تعلّق الأمر بكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، فإن مواجهة إيران تعني مزيداً من الاستنزاف للخزانة السعودية. وإن كانت واشنطن وتل أبيب تريان أن إنجاح موجة العقوبات الأخيرة على طهران تكتسب أهمية قصوى، فذلك يعني بشكل أساس أن تواصل الرياض زيادة إنتاج النفط، حتى لا تؤدي العقوبات إلى زيادة أسعاره وتضطر بعض الدول لتجاوز العقوبات والعودة لاستيراد النفط الإيراني.

في المقابل، لا يوجد ما يؤشر على أن الدول العربية الأكثر اهتماماً بمواجهة إيران، قد استفادت بشكل كبير من التعاون الأميركي الإسرائيلي بشكل يحسن من مكانتها في هذه المواجهة، إذ إن إيران راكمت المزيد من النجاحات في كل من اليمن، سورية، العراق، لبنان، وغيرها.
من جهة ثانية، فإن الحديث الأميركي عن اهتمام مؤتمر وارسو ببحث قضية السلام في الشرق الأوسط، يزيد المخاوف من أن واشنطن ستحاول تجنيد دعم عربي لخطتها للتسوية المعروفة بـ"صفقة القرن"، والتي دلت التسريبات بشأنها على أنها تمثّل تصفية للقضية الفلسطينية.

وما يثير المخاوف مما يمكن أن يُطرح في المؤتمر، أن حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب تواصل بالأقوال والأفعال تأكيدها على حسم مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال الاستيطان والتهويد، وتعهّد نتنياهو المعلن بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية. وفي الوقت نفسه، فإن واشنطن تواصل دعم المواقف الإسرائيلية، عبر الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها، إلى جانب المواقف من قضية اللاجئين، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والعقوبات ضد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية. من هذا المنطلق، فإن هناك احتمالاً أن يتحول مؤتمر وارسو إلى مناسبة لمنح مظلة عربية للشروع في طرح "صفقة القرن" ومحاولة تمريرها، مع كل ما تنطوي عليه من تداعيات.
ويُتوقع أن يؤدي مؤتمر وارسو إلى محاصرة قيادة السلطة الفلسطينية وتقليص هامش المناورة أمامها إلى حد كبير، فالمشاركة العربية إلى جانب نتنياهو تدل على أنه لا يمكن لهذه القيادة أن تنتظر إسناداً عربياً في مواجهة مواقف حكومة اليمين المتطرف إزاء الصراع.

ولا يمكن إغفال حقيقة أن مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى جانب وزراء خارجية عرب في المؤتمر تأتي عشية الانتخابات العامة التي ستنظّم في إسرائيل في إبريل/ نيسان المقبل، وستمثّل قيمة انتخابية تسويقية كبيرة جداً لنتنياهو وحزب "الليكود" الذي يرأسه، لأنه سيضفي صدقية على كل التلميحات والتسريبات بشأن حدوث تطور كبير على طابع العلاقة بين حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب وأنظمة الدول العربية، لا سيما السعودية، البحرين، والإمارات. وسيعزز هذا الحضور مكانة نتنياهو في مواجهة خصومه، سواء في اليسار أو اليمين، فموافقة وزراء خارجية دول عربية على حضور مؤتمر يشارك فيه تمثل تأكيداً لتباهيه بأنه نجح في إقناع دول عربية بتعزيز علاقتها مع تل أبيب من دون ربط ذلك بالقضية الفلسطينية.

المساهمون