غولن وبرانسون... العلاقات الأميركية التركية رهينة رجلَي دين

29 يوليو 2018
برانسون أثناء محاكمته (فرانس برس)
+ الخط -
تبدو العلاقات الأميركية ـ التركية في أسوأ أحوالها، في ظلّ بروز معادلة مرتكزة على رجلي دين، أحدهما القس الأميركي أندرو برانسون، والثاني الداعية التركي فتح الله غولن. ففي ظلّ اعتقال أنقرة لبرانسون، ولجوء غولن إلى الولايات المتحدة، تحدث الأتراك عن مقايضة بين برانسون وغولن، رداً على مطالبات أميركية بإطلاق سراح برانسون، وهي مسألة احتدمت في الأيام الأخيرة، مع بروز تهديدات من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد تركيا، ورد الأخيرة على تهديد ترامب بفرض "عقوبات شديدة" على أنقرة "في حال لم تطلق على الفور" سراح القس الأميركي أندرو برانسون الذي يحاكَم بتهم إرهاب وتجسس، مؤكدة رفضها "تلقي الأوامر من أحد". وقال الرئيس الأميركي في تغريدة على "تويتر"، يوم الخميس، إن الولايات المتحدة "ستفرض عقوبات شديدة على تركيا لاعتقالها الطويل للقس أندرو برانسون، وهو مسيحي رائع ورب عائلة. إنه يعاني كثيراً. هذا الإنسان المؤمن البريء ينبغي الإفراج عنه فوراً". وتولى عدد من المسؤولين الأتراك الرد، أولهم وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، الذي كتب في تغريدة، إنه "لا أحد يمكنه إصدار أمر لتركيا ولن نقبل أبداً التهديدات مهما كان مصدرها. إن دولة القانون تنطبق على الجميع من دون أي استثناء". بدوره، اعتبر المتحدث باسم الرئيس التركي، إبراهيم كالين، في بيان، أن "على الإدارة الأميركية أن تفهم أنها لن تحصل على النتيجة التي تريدها عبر تهديد تركيا". كما قال رئيس البرلمان التركي، بن علي يلدريم، يوم الجمعة، إن "التهديد لا يفلح مع الشعب التركي، لذلك على الولايات المتحدة أن تكف عن هذه اللغة إذا كانت تريد تطوير علاقاتها مع تركيا على المدى الطويل".

أما برانسون، فرغم إطلاق سراحه من السجن، إلا أنه بات أسير الإقامة الجبرية ومنع السفر، حتى الانتهاء من محاكمته. ويحاكم القس الأميركي بقضايا "تجسس وإرهاب وارتكاب جرائم لصالح حركة الخدمة (غولن) وحزب العمال الكردستاني". وقصة برانسون بدأت عام 1993 حين أنشأ في إزمير كنيسة ديريليش، وفي 9 ديسمبر/ كانون الأول 2016، سُجن بتهمة "ارتكاب جرائم باسم حركة الخدمة وحزب العمال الكردستاني". وفي أغسطس/ آب 2017، أضيفت ضده اتهامات بـ"الحصول على معلومات سرية خاصة بالدولة لأهداف التجسس السياسي أو العسكري"، و"محاولة القضاء على النظام الدستوري". وفي مارس/ آذار الماضي، قبلت المحكمة الجنائية العليا الثانية في إزمير لائحة الاتهام التي أعدتها نيابة إزمير العامة ضد برانسون.

وطالبت النيابة بمعاقبة القس بالسجن لمدة 35 عاماً، ومثل أمام المحكمة للمرة الأولى في 16 إبريل/ نيسان الماضي. وفي الجلسة الأولى، قال برانسون إنه "جاء إلى تركيا لإعداد تلامذة للمسيح"، وأنه "في عام 2010، انفصل عن كنيسة يني دوغوش"، وأنكر جميع التهم الموجهة إليه. وقال إنه "ليست لديه أي علاقة بحركة الخدمة ولا حزب العمال ولا يعرف بكير باز"، الذي يتولى منصباً كبيراً في منظمة حركة الخدمة، والهارب حالياً من العدالة.


وفي جلستي المحاكمة بتاريخ 7 مايو/ أيار الماضي، و18 يوليو/ تموز الحالي، تم رفض طلبين لمحامي برانسون بإطلاق سراح الأخير. وبعد تقديم برانسون ومحاميه طلب اعتراض على حبسه بدعوى معاناته من مشاكل صحية، حولت محكمة إزمير الجزائية الثانية، حبس برانسون إلى الإقامة الجبرية، على أن تُكبّل يداه بأصفاد إلكترونية، ويخضع للرقابة القضائية.

أما لائحة التهم الموجهة لبرانسون، فتشمل: ارتكاب جرائم باسم حركة الخدمة وحزب العمال الكردستاني تحت ستار كونه رجل دين، والتعاون بإرادته مع المنظمتين مع علمه بأهدافهما، الحصول على دعم من حركة الخدمة عند مواجهته مصاعب في عمله التبشيري، أو في تحويل المواطنين الأكراد إلى المسيحية، إيلاء اهتمام خاص بالمدافعين عن حزب العمال الكردستاني خلال عمله مع كنيسة يني دوغوش، مشاركته صوراً له عبر وسائل التواصل الاجتماعي مع أشخاص متعاطفين مع الكردستاني، مصحوبة بخرقة عليها ألوان الحزب.

كما ذهب القس إلى مدينة عين العرب (كوباني) السورية وقضاء سوروج بولاية شانلي أورفة التركية، وأرسل عن طريق الشحن نسخاً من الإنجيل مكتوبة باللغة الكردية إلى المنطقتين المذكورتين. وتم تحديد أماكن وجود برانسون حسب سجلات هاتفه (الجوال) بين 2014 و2017 في قضاء سوروج 2306 مرات، و192 مرة في أقضية أخرى تابعة لشانلي أورفة، ومرتين في ولاية ديار بكر. وأصر المتهم على أن سبب وجوده في المنطقة، هو عمله ضمن إطار أهداف واستراتيجيات البنية غير القانونية التي ينتمي إليها.

كما احتفظ برانسون في غرفته بالكنيسة، بخريطة لتركيا بحدود معدّلة، وبمنشورات محظورة للكردستاني. كما قدمت كنيسة ديريليش التي افتتحها برانسون، تسهيلات لمتعاطفين مع الكردستاني. نظّم برانسون طقوساً دينية موجّهة للمواطنين من ذوي الأصول الكردية بين عامي 2010 و2013، وأكد على إجراء حوار مع حركة الخدمة في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، خلال "اجتماع القادة"، بمشاركة قادة رأي الكنيسة البروتستانتية بولاية إزمير (غرب)، معتبراً أن "الحوار سيعود بالفوائد". ونفّذ حملات تبشيرية تحت غطاء "المساعدات الإنسانية" للسوريين الذين اضطروا للهروب إلى تركيا عقب 2015. قدّم برانسون الدعم لعناصر الكردستاني الفارين من السجون التركية، عبر إيوائهم في الكنيسة، ومساعدتهم في تقديم طلبات لجوء لهم خارج تركيا عقب دخولهم المسيحية.

كما أرسل برانسون رسالة إلى عسكري أميركي، في 21 يوليو 2016، عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي نفذتها حركة الخدمة، جاء فيها: "كنا ننتظر وقوع أحداث تهز الأتراك، وتشكلت الظروف المطلوبة لعودة عيسى، ومحاولة الانقلاب صدمة، والكثير من الأتراك وثقوا بالعسكر كما السابق، وأعتقد أن الوضع سيزداد سوءاً، وفي النهاية نحن سنكسب". ووفق تقرير سجلات الهاتف المقدّمة إلى المحكمة، تم تحديد إشارات بث 5 خطوط هواتف لبرانسون مع خطيّن للمتهم الفار من حركة الخدمة بكير باز، خلال محادثاتهما الهاتفية مع أطراف أخرى، وهما على مقربة من بعضهما في مناطق كوناك وجانقايا وألسنجق، لـ293 مرة، بين 4 إبريل 2011 و19 أغسطس/ آب 2015.

(العربي الجديد، الأناضول)

المساهمون