باتت قضية العثور على مسكن خاص في تونس، وخصوصاً في العاصمة أو ضواحيها الكبرى، من بين أهم المشاكل الاجتماعية التي يواجهها المواطن التونسي منذ سنوات، وبحسب المراقبين فقد تعمقت أزمة السكن في فترة ما بعد الثورة.
وأرجع خبراء عقاريون تفاقم أزمة السكن إلى ارتفاع أسعار الايجار، كما أصبحت عملية الشراء شبه مستحيلة لذوي الدخل المحدود وسط غلاء العقارات، وذلك نتيجة ارتفاع أسعار مواد البناء التي تضاعفت في الفترة الأخيرة.
وقال عز الدين فرحات رئيس المنظمة التونسية للدفاع عن الحق في السكن، إن وضعية الاسكان في تونس تشهد حالة من التدهور والفوضى، وذلك مقارنة بفترة مابعد الاستقلال التي عرفت فيها السياسة الاسكانية في تونس تطوراً ملحوظاً.
وشدد فرحات على أهمية تمتع العائلة التونسية بحقها في السكن، وهو حق تحفظه المنظمات الدولية لحقوق الانسان، مشيراً إلى أن الدستور التونسي لا يحمل بنداً واضحاً من شأنه أن يضمن الحق في السكن.
وبحسب المفوضية السامية لحقوق الانسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، فإن حق الإنسان في السكن اللائق هو حقه في أن ينعم بما هو أكثر من مجرد أربعة جدران وسقف، وهو حق كل امرأة ورجل وشاب وطفل في الحصول على بيت آمن يؤويه ومجتمع محلي ينتمي إليه ويعيش فيه بسلام وكرامة.
وتقول دراسة صادرة عن المنظمة التونسية للتربية والأسرة، إن نسبة الأسر المالكة لمساكنها في تونس ارتفعت إلى 80% وتراجع عدد المساكن البدائية إلى 0.69 % في عام 2008.
وقد كان عدد المساكن البدائية 7.5% في عام 1987. وتمكنت الحكومة التونسية من بناء 300 الف مسكن إضافي في عام 2014 وإحداث آليات مساعدة للعائلات المحدودة الدخل على تحسين مساكنها.
وبحسب تقديرات المنظمة التونسية للدفاع عن الحق في السكن، فإن قرابة 70% من الأسر التي لا يتجاوز عدد أفرادها الأربعة أشخاص يبحثون فقط عن الايجار وليس الشراء.
ووفق التقديرات الأولية للتعداد السكاني الاخير في تونس، فإن العدد الاجمالي للأسر التونسية من المرتقب أن يرتفع إلى 2.7 مليون أسرة بنهاية العام الجاري.
كما أوضح فرحات أن علاقة المواطن التونسي بالسكن أصبحت متدهورة، وذلك نتيجة الفوضى التي اكتسحت القطاع العقاري.
وأعرب فرحات عن تخوفه من أن تصبح تونس من بين الدول التي تعاني مشاكل كثافة سكانية شديدة الارتفاع أو ما يسمى بالاكتظاظ السكاني .
وأكد عز الدين فرحات على ضرورة إشعار كل الفاعلين في القطاع السكني في تونس من مطورين عقاريين وجهات رسمية ومنظمات تنشط في القطاع العقاري، بالاوضاع المتدهورة في القطاع العقاري، والظروف السيئة التي يعيشها المواطن التونسي الباحث عن المأوى.
وبيّن أن منظمته ستقوم بالبحث في مختلف الاختلالات التي يعاني منها القطاع، داعياً الدولة إلى ضرورة تبني استراتيجية وطنية من شأنها أن تضمن حق التونسي في السكن اللائق.
وشدد رئيس المنظمة على ضرورة الاسراع في الكشف عن نتائج التعداد السكاني العام، وذلك لتسهيل عملية الحصول على أرقام دقيقة وواضحة بخصوص عدد الأسر ومدى تمتعها بمساكن عائلية.
وفي سياق متصل، كشف فهمي شعبان رئيس الغرفة النقابية للمطورين العقاريين في تونس، أن ارتفاع أسعار العقارات في الفترة الأخيرة بين اعوام 2011 و2014 قدر بنحو 30% ، مبيناً أن مستوى الطلب لا يفوق مستوى العرض.
وأضاف فهمي شعبان أن قطاع البناء يعد المحرك الرئيسي في الاقتصاد الوطني الذي يشهد نهضة ملحوظة في الفترة الأخيرة .
وقدر شعبان عدد الشقق التي تشيّد سنوياً من قبل المطورين العقاريين بنحو 6 آلاف شقة وكلها يتم اقتناؤها في فترة وجيزة من قبل المواطنين، سواء كانوا عائلات أو غير ذلك.
وقال شعبان إن عدد المطورين العقاريين في تونس تجاوز أخيراً 2700 ، موزعين على جميع المحافظات في البلاد التونسية. وأقر شعبان بالمصاعب التي بات يعاني منها المطور العقاري في تونس في فترة مابعد الثورة، أي منذ سنة 2010، والتي تتمثل أساساً في الارتفاع الكبير في أسعار الأراضي الصالحة للبناء، مبيناً أن سعر الأراضي يشهد تضاعفاً متواصلاً من عام الى آخر.
وقال إن هذا الارتفاع الكبير في أسعار الاراضي أدى إلى تدهور الوضعية الاقتصادية للمطورين العقاريين الذين يقترضون رؤوس أموالهم من البنوك.
وأشار الى أن الروتين الاداري يضع الكثير من العقبات أمام المطورين العقاريين.
وفي ذات الصدد، عبّر عدد من المواطنين عن تذمرهم من ارتفاع أسعار إيجارات المساكن أو شراء العقارات التي باتت، بحسب عدد من المواطنين، المعضلة الكبرى أمام رغبة الشباب في الزواج وتكوين أسر.
وأكد مواطنون لـ"العربي الجديد" أن عدم المقدرة على اقتناء منزل خاص في تونس لم تعد مشكلة أمام الفقراء وذوي الدخل المحدود فقط، بل توسعت لتشمل الفئات ذات الدخل المتوسط التي لم تعد قادرة على مجابهة ارتفاع الاسعار سواء بالنسبة إلى الايجار أو الشراء، أو البناء.
وبحسب المراقبين، تبقى الظروف المادية الصعبة من أهم الأسباب التي تمنع الفرد التونسي من امتلاك منزل أو شقة خاصة من شأنها أن تحفظ كرامته وتلم شمل عائلته، مطالبين المؤسسات المعنية في الدولة، على غرار وزارة الشؤون الاجتماعية، أن تعكف على خفض نسبة الفقر وضمان حلول جذرية تسهم في مساعدة هذه الفئات على ضمان مستوى العيش الكريم.
وحسب التقرير الصادر أخيراً حول كلفة العيش في تونس، فهي الادني بين دول المغرب العربي.
وتضمن التقرير الدولي كلفة المعيشة في 111 بلداً. فقد صنف التقرير تونس في المرتبة 83 من بين البلدان الأقل غلاء في العالم.
وأتت تونس ضمن هذا التصنيف متقدمة في الترتيب على دول مثل المغرب، وهي دولة تعول كثيراً على بيع عقارات إلى الأجانب وتدعوهم إلى القدوم للعيش في أراضيها وامتلاك عقارات.
كما تقدمت كذلك على تركيا التي جاءت في المرتبة 65.
وتعد تركيا من الدول الجاذبة للاستثمارات العقارية الخليجية في الآونة الاخيرة، مستفيدة من عدم الاستقرار الذي يضرب سورية ولبنان.