ولم ينتظر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مرور أكثر من ساعات على المجازر التي أودت بحياة أكثر من 130 قتيلاً في دوما ودرعا وإدلب، ليجزم بأن بلاده "لم ولن تغير مواقفها التي أعلنتها منذ بداية الأزمة في سورية"، مشدداً على رفض بلاده "اشتراط خروج الأسد أو تنحيه في نهاية الفترة الانتقالية".
وقال لافروف، في مؤتمر صحافي مشترك، عقده مع نظيره الإيراني جواد ظريف، في موسكو، "على من يريد التأكد العودةُ إلى بياناتنا ولقاءاتنا السابقة، وعلى مدار عمر الأزمة نحن لم نغير مواقفنا، وقد أكدنا أن السوريين وحدهم من يقررون مصير دولتهم، دون شروط مسبقة أو وصفات جاهزة تقدم لهم أية جهة". وتحدثت مصادر إعلامية في اليومين الماضيين، أن النظام السوري تلقّى شحنات جديدة من الأسلحة روسية المصدر، قد تكون استُخدمت في مجازر يوم الأحد وفي غيرها.
وتابع وزير الخارجية الروسي قائلا "نقولها صراحة، ودون خجل، إننا نتقاسم فكرة التسوية السلمية للأزمة مع معظم من حاورناهم، أو التقيناهم من مسؤولي مختلف البلدان، وكذلك نعلنها صريحة أننا لا نتفق معهم في طريقة الوصول إلى التسوية المنشودة، كما لا نتفق معهم حول مصير الرئيس الشرعي المنتخب للبلاد، فنحن نرى أنه لا يمكن التوصل لحل دون مفاوضات مباشرة مع حكومة الرئيس (بشار) الأسد، وإذا ما أراد أحد شركائنا أن يضع شرط خروج الأسد أو تنحيه في نهاية الفترة الانتقالية، فإن ذلك مرفوض تماماً من روسيا".
ولم يتطرق لافروف ولا ضيفه الإيراني إلى مجازر يوم الأحد التي فهمها عدد كبير من المراقبين، في سورية وخارجها، على أنها جرائم بهدف التهجير؛ بدليل أنها استهدفت مراكز شعبية ومدنية مكشوفة لا يستطيع النظام ولا آلاته الإعلامية الادعاء أنها "تستخدم لأهداف عسكرية"، على طريقة تبرير الاحتلال الإسرائيلي جرائمه عادةً.
**********************
وأكدت مصادر في فرع الدفاع المدني في دوما لـ "العربي الجديد"، أن هناك تسع جثث في مراكز الدفاع المدني ومستشفيات المدينة لم يتم التعرف إليها بعد، بسبب تحوّل بعضها لأشلاء وتعرّض الأخرى لتشويه كبير. وتوقعت المصادر أن ترتفع حصيلة الضحايا خلال الأيام المقبلة، بسبب وجود 300 جريح في المدينة أصيبوا نتيجة القصف؛ وهم يعانون الآن من تفاقم إصاباتهم نتيجة عدم وجود رعاية طبية لهم.
وأجرى الأطباء العاملون في غرف العمليات في مستشفى دوما المركزي الميداني وحده أكثر من سبعين عملاً جراحياً مستعجلاً يوم الأحد، فيما تم تحويل أكثر من مائة إصابة أخرى تحتاج لعمليات جراحية إلى باقي مستشفيات المدينة، وإلى المستشفيات العاملة في باقي مدن غوطة دمشق الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، وذلك بحسب مصادر طبية في مدينة دوما.
وأكد الطبيب وائل أبو الحسن لـ "العربي الجديد"، أن المؤسسات الطبية العاملة في مدينة دوما وفي المدن والبلدات المحيطة بها، تعاني جميعها من نقص كبير في الكوادر الطبية، وفي مستلزمات غرف العمليات والإنعاش وفي المستهلكات الطبية وأجهزة تثبيت الكسور ومواد التخدير والتعقيم وغيرها. وأشار إلى أن العدد الكبير للمصابين الذين تدفقوا خلال أقل من ساعة إلى مستشفيات مدينة دوما، تسبّب بحالة من الفوضى في هذه المستشفيات، حتى باتت غرف الإسعاف ممتلئة بعشرات الجثث والجرحى من دون أن تتمكن الكوادر الطبية البسيطة الموجودة في هذه المستشفيات من القيام بأي شيء.
واستهدف طيران النظام سوق الخضروات وسط دوما بالبراميل المتفجرة في وقت الظهيرة، وهي الفترة التي يكون فيها السوق مكتظاً بالباعة والمتسوقين، ما يشير إلى تعمّد طيران النظام ارتكاب مجزرة كبيرة في هذا المكان، خصوصاً أن السوق بعيد عن جبهات القتال بين قوات المعارضة وقوات النظام، وعن مقرات قوات المعارضة التي تسيطر على المنطقة.
اقرأ أيضاً: يوم مذابح الأسد في دوما ودرعا وإدلب: 120 قتيلاً
وجاءت مجزرة قوات النظام في دوما بعد يوم واحد فقط من انهيار المفاوضات التي كانت تجري بين حركة "أحرار الشام" من جهة، ومفاوضين إيرانيين من جهة أخرى، حول إيجاد اتفاق لتبادل السيطرة على مدينة الزبداني السورية الواقعة غرب دمشق؛ والتي تسيطر عليها قوات المعارضة وتهاجمها قوات النظام و"حزب الله"، في مقابل السيطرة على بلدتي الفوعة وكفريا الواقعتين شمال مدينة إدلب، والمسيطر عليهما من قبل مليشيات محلية موالية لإيران بشكل مباشر والمحاصرتين من قبل قوات المعارضة.
وكان تهميش النظام السوري في هذه المفاوضات لافتاً، إذ لم يكن ممثلاً فيها ولم يؤخذ رأيه في البنود التي تم التفاوض عليها إطلاقا، بحسب ما كشفت مصادر في حركة "أحرار الشام" لـ "العربي الجديد" سابقاً، الأمر الذي يبدو أنه أثار حفيظته ودفعه إلى شن هجوم كبير على الغوطة، ليسلط الأضواء على نفسه كفاعل أساسي في سورية.
ويبدو أن هذا الاحتمال مرجّح إلى حد بعيد، في ظل تواصل الدعم السياسي من قبل إيران وروسيا للنظام السوري، إذ قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد اجتماعه بنظيره الإيراني محمد جواد ظريف أمس الاثنين، إن بلاده لن تقبل المطالبة برحيل الأسد كشرط مسبق "لتسوية الأزمة في سورية". من جهته، أكد ظريف أن طهران تؤيد موقف موسكو، في "حل الأزمة"، وأن "على السوريين أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم، أما الدول الأجنبية، فيجب أن يقتصر دورها على تسهيل تحقيق هذه المهمة"، مضيفاً: "نرى أن السبيل الوحيد لتسوية الأزمة السورية يحمل طابعاً سياسياً، ونشاطر الاتحاد الروسي موقفه من هذه المسألة، وأن هذا التطابق في المواقف سيستمر".
وتُرجّح هذه التصريحات أن يكون النظام السوري قد ارتكب هذه المجزرة بغطاء من حكومتي إيران وروسيا، نظراً لفشل الحراك الدبلوماسي الأخير الهادف لإيجاد حل سياسي في سورية، والذي تمثّل باللقاءات التي جرت خلال الأسبوعين الأخيرين في موسكو والدوحة وأنقرة، بين وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والسعودية، وممثلي حكومات دول الخليج العربي وممثلي المعارضة السورية. ويدعم هذا الاحتمال الصمت الغريب الذي تلا المجزرة الكبرى في دوما، إذ لم تصدر مواقف تُدين المجزرة عن حكومات الدول الكبرى أو القوى الإقليمية المعنية بما يجري في سورية.
في المقابل، قال مفوض الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ستيفن أوبراين، إنه شعر بالذهول من جراء الهجمات على المدنيين التي تجري في سورية، داعياً إلى إيقافها. واللافت أن حديث أوبراين جاء يوم أمس الإثنين في ختام زيارة استغرقت ثلاثة أيام إلى سورية، التقى خلالها كبار المسؤولين في النظام السوري، وعلى رأسهم وزير الخارجية وليد المعلم، وزار خلالها مدينة حمص.
أما رئيس الائتلاف الوطني السوري المعارض خالد خوجة، فقد لوّح بمقاطعة المفاوضات السياسية رداً على المجزرة الكبيرة التي ارتكبها النظام السوري في مدينة دوما، قائلاً إن "الحديث عن حلول سياسية وسلمية في ظل المذابح التي يرتكبها النظام السوري وإعفاء الجاني من الحساب؛ لن يكون له أي معنى في تحقيق الاستقرار لسورية"، مؤكداً وجود تنسيق مع كافة الفصائل لاتخاذ الخطوات المناسبة، لحماية المدنيين وردع النظام عن ارتكاب المزيد من الجرائم.
اقرأ أيضاً: جدران تركية أمام السوريين... وشروط تعجيزية للإقامة