لم تنته بعد تداعيات الحكم الابتدائي في قضية مقتل القيادي السابق بحزب "نداء تونس"، في تطاوين، لطفي نقض، بعدما برّأت المحكمة المشتبه بهم من تهمة القتل المتعمد، المنسوبة إليهم. وأثار الحكم سجالاً داخلياً حاداً، بعد توجيه حزب "النداء" انتقادات مبطنة للقضاء التونسي، بعدم الحياد، وهو ما دفع السلطة القضائية إلى الرد على الاتهامات التي تستهدفها على خلفية تلك القضية.
وكان حزب "نداء تونس" أعرب عن صدمته "من الحكم الابتدائي في قضية الشهيد لطفي نقض، والقاضي بتبرئة المتهمين وحفظ القضية''، بحسب بيان الحزب، أخيراً، والذي اعتبر أن ما حصل "استهزاء بدم الشهيد وانحياز مفضوح للقتلة والمجرمين، رغم قناعة (الحزب) المبدئية بضرورة استقلالية القضاء وأحكامه".
وفي موقف قد يؤثر على التوافق السياسي بين حزب "النداء" وحركة النهضة التونسية، استنكر الأول في بيانه عودة ما يسمى بـ"روابط حماية الثورة المنحلّة قانونياً، والظهور المفاجئ لعناصرها بخطابها الإقصائي والمتطرف"، وفق تعبيره.
في المقابل، تحاول "النهضة" الحدّ من تداعيات القضية على المسار السياسي، وصيانة التوافق مما قد يطاوله من تداعيات، من خلال ردها على دعوة قيادات في "النداء" توضيح موقفها من روابط حماية الثورة ومن قضية نقض عموماً. واعتبرت "النهضة" في بيان لها، أن المسألة لا تتعلق بمعركة بين حركتي "النهضة" و"النداء" وإنّما بحادثة وقعت عام 2012 ضمن سياق معيّن كانت تعيشه البلاد واتّسم بحالة من الاحتقان. وذكّرت أن إيقاف سعيد الشبلي، أحد المتهمين في قضية لطفي نقض، ومتهمين آخرين، قد حصل في فترة حكم الترويكا. وأضافت أن الحكم بإطلاق سراحهم قد تم في مرحلة حكم "نداء تونس" وفي ظل عهد رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي، من دون تدخّل القوى السياسية في القضاء، في الحالتين. وجدّدت "النهضة" تأكيدها على عدم وجود علاقة لها، مطلقاً، بما كان يعرف بروابط حماية الثورة التي تم حلّها ووقف نشاطها بطلب من الحكومة عام 2013، وبحكم قضائي صدر عام 2014. وأكدت رفضها لعودة هذه الرابطات للنشاط من جديد، داعية إلى تقديم المصلحة العليا للبلاد عبر توسيع التوافق السياسي ونبذ الإقصاء والاستقطاب.
وعلى الرغم من أن هذه الجولة من اختبار التوافق قد تتأجل نسبياً، بانتظار الانتهاء من مرحلتي الاستئناف والتعقيب، إلا أن ما يتعلق بالاتهامات التي وُجِّهت إلى القضاء أثارت الدوائر القضائية واستفزّت مؤسساتها. وجاء رد فعل القضاة عنيفاً. وعبر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة عن "شديد استنكاره وعميق انشغاله لما رافق تلك المحاكمة من تحشيد وتجييش سياسي لجموع مناصري أهالي المتهمين وأهالي الضحية، وما تخلل ذلك التجمهر والتحشيد من رفع لشعارات سياسية واضطرابات حول محيط المحكمة وداخل قاعة الجلسة، في عملية ضغط مشهودة وبيّنة على هيئة المحكمة، بما يتنافى وأبسط مبادئ احترام استقلالية القضاء وحرمة المحاكم ودولة القانون والمؤسسات"، بحسب ما جاء في بيان المكتب. وعبّر القضاة عن "صدمتهم وتنديدهم بما لحق التصريح بالحكم في القضية، من حملات التهجم على القضاء والتجريح في القضاة والتشكيك في استقلالية القضاء ونزاهته، واتهام القضاة بأبشع تهم التسييس والانحياز من قبل عدد من الأحزاب السياسية وبعض أعضاء السلطة التشريعية، وبعض من يزعمون الانتساب إلى العمل الحقوقي". وشدد المكتب في بيانه على "رفضه لهذه الانحرافات الخطيرة من قبل بعض الأحزاب وبعض نواب البرلمان، وبعض الإعلاميين الذين فسحوا المجال لانتصاب المحاكمات الإعلامية وللتوظيف السياسي لهذه القضية ضد استقلال القضاء، من دون أدنى احترام لمبادئ الحيادية بتمكين الطرف القضائي من الحضور والرد والتوضيح". وحذر من العواقب الوخيمة لحملات التجييش وتأليب الرأي العام ضد القضاة، ومن تداعيات التوظيف السياسي في هذه القضية دون إلمام بأوراق الملف وتفاصيل الوقائع".
اقــرأ أيضاً
في هذا السياق، قال رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، أحمد الرحموني، لـ"العربي الجديد" إن القضاء ليس بعيداً عن الرقابة، وهو يخضع لرقابة داخلية ولرقابة المجتمع المدني وأيضاً الإعلام والشعب، لكن هذه الرقابة يجب أن تكون بضوابط وألا تكون منفلتة، بحسب تعبيره. ولفت إلى أنه لم يكن من الممكن الحديث عن القضاء في النظام السابق، لأن القضاء كان محمياً من السلطة، ولكن اليوم لا يجب أن يكون الحديث منفلتاً، أو موجها"، بحسب قوله. وأضاف أن "قضايا الرأي العام مثل قضية لطفي نقض، عادةً ما تثير جدلاً وتخضع إلى رقابة شعبية، ولكن الخطير هو عندما تحصل انحرافات وتكون صادرة من السياسيين بالتحالف مع بعض وسائل الإعلام، ثم تتحول هذه الانتقادات إلى حملات ممنهجة على القضاء، معتبراً أن "هذا الانحراف خطير ويساهم في التراجع عن المكتسبات التي تحققت لفائدة القضاء، ويربك أداء السلطة التنفيذية". وشدد على أن "الحياد عن المسار يحدث عندما يتطور الجدل على السلطة القضائية، ويصبح تجريحاً في الأشخاص وفي نزاهة القضاء".
ولم يتوقف رد فعل القضاة عند البيان أو المواقف والتصريحات، بل تطور إلى فتح تحقيق ضد عدد من الإعلاميين والسياسيين. وأكد المتحدث الرسمي باسم النيابة العمومية، سفيان السليطي، بأن النيابة أذنت بفتح تحقيق قضائي في خصوص تصريحات الصحافي، لطفي العمارى، حول قضية لطفى نقض. وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية أن "تصريحات العمارى أساءت إلى القضاء"، متابعاً أن أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية في تونس، تعهد بهذا التحقيق. وأكد أن النيابة العمومية تعهدت كذلك باتخاذ التدابير اللازمة لملاحقة النواب الذين أدلوا بتصريحات ضد القضاء التونسي وتشكك في نزاهته. واعتبر أن هذه التصريحات "تتنافى مع مبادئ استقلالية القضاء ومع أسس دولة القانون، ومن شأنها أن تؤلب الرأي العام ضد السلطة القضائية".
وشدّد السليطي في حديث لـ"العربي الجديد" على أن النيابة العمومية أذنت بفتح تحقيق قضائي في حق عدد من النواب بالبرلمان التونسي، وناشط إعلامي، بعدما وجهوا اتهامات مباشرة للقضاء التونسي وتضمنت تصريحاتهم تشويهاً للقضاة، وفق قوله. وأضاف أن بعض التصريحات التي وردت على لسان نواب في برامج تلفزيونية إثر صدور الحكم في قضية لطفي نقض، وما احتوته من تهجم على السلطة القضائية، يعاقب عليها القانون. وتابع أنه نتيجة لذلك، أذنت النيابة العمومية بتتبع مطلقي هذه التصريحات. وأوضح في هذا الصدد، أن استكمال إجراءات التتبع للمعنيين بالأمر يتطلب المرور عبر إجراءات خاصة بالنواب وهي رفع الحصانة. ومن المنتظر إحالة الملف القضائي إلى رئاسة البرلمان، وأن يبت فيها مكتب البرلمان ويحيلها للجنة لتواصل مسارها القانوني وفق ما يضبطه النظام الداخلي للبرلمان، وإذا ما تم التصويت برفع الحصانة فإن القضية ستأخذ مسارها القانوني من تتبعات بشأن النواب، بحسب ما ذكر السليطي.
ويأتي هذا الرد السريع للحد مما يسميه القضاة حملة ممنهجة تستهدف القضاء بشكل عام وتسعى لضرب استقلاليته. وتتكرر نفس الحملات من كل الأطراف السياسية، مع كل حكم قضائي يصدر في هذا الاتجاه أو ذاك. غير أن هذا الحكم الأخير جاء في ظل معركة سياسية متعددة الأوجه بين الأحزاب، وداخل الأحزاب نفسها وتياراتها المختلفة. وهناك صراع مواقع بين القوى السياسية، كما هناك صراعات خفية على إدارة الأحزاب، من دون إغفال التركة الإيديولوجية التي خلفتها السنوات الأخيرة منذ ما قبل انتخابات 2014 والتي يتضح أنها لم تنته بعد.
لكن القضاة لم يردوا مثلاً على رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي اعتبر في خطابه أمام البرلمان منذ يومين، أن لطفي نقض هو شهيد كل التونسيين، ما يعني أنه قُتِل ولم يمت طبيعياً كما أقرّ الحكم الابتدائي. ويشكل ذلك موقفاً سياسياً واضحاً لا لبس فيه، واصطفافا حزبيا باعتبار أن الشاهد ينتمي إلى "نداء تونس". وفي هذا السياق، يدعو البعض إلى عدم استهداف الصحافيين فقط في هذه القضية، لأنهم الحلقة الأضعف في ساحة سياسية تونسية معقدة. ويتخوف هؤلاء من أن يقود استهداف بعض التجاوزات أو المبالغات الصحافية إلى نتائج سلبية للغاية، أقلّها توسيع دائرة الخوف، وأقصاها كم الأفواه.
وكان حزب "نداء تونس" أعرب عن صدمته "من الحكم الابتدائي في قضية الشهيد لطفي نقض، والقاضي بتبرئة المتهمين وحفظ القضية''، بحسب بيان الحزب، أخيراً، والذي اعتبر أن ما حصل "استهزاء بدم الشهيد وانحياز مفضوح للقتلة والمجرمين، رغم قناعة (الحزب) المبدئية بضرورة استقلالية القضاء وأحكامه".
وفي موقف قد يؤثر على التوافق السياسي بين حزب "النداء" وحركة النهضة التونسية، استنكر الأول في بيانه عودة ما يسمى بـ"روابط حماية الثورة المنحلّة قانونياً، والظهور المفاجئ لعناصرها بخطابها الإقصائي والمتطرف"، وفق تعبيره.
وعلى الرغم من أن هذه الجولة من اختبار التوافق قد تتأجل نسبياً، بانتظار الانتهاء من مرحلتي الاستئناف والتعقيب، إلا أن ما يتعلق بالاتهامات التي وُجِّهت إلى القضاء أثارت الدوائر القضائية واستفزّت مؤسساتها. وجاء رد فعل القضاة عنيفاً. وعبر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة عن "شديد استنكاره وعميق انشغاله لما رافق تلك المحاكمة من تحشيد وتجييش سياسي لجموع مناصري أهالي المتهمين وأهالي الضحية، وما تخلل ذلك التجمهر والتحشيد من رفع لشعارات سياسية واضطرابات حول محيط المحكمة وداخل قاعة الجلسة، في عملية ضغط مشهودة وبيّنة على هيئة المحكمة، بما يتنافى وأبسط مبادئ احترام استقلالية القضاء وحرمة المحاكم ودولة القانون والمؤسسات"، بحسب ما جاء في بيان المكتب. وعبّر القضاة عن "صدمتهم وتنديدهم بما لحق التصريح بالحكم في القضية، من حملات التهجم على القضاء والتجريح في القضاة والتشكيك في استقلالية القضاء ونزاهته، واتهام القضاة بأبشع تهم التسييس والانحياز من قبل عدد من الأحزاب السياسية وبعض أعضاء السلطة التشريعية، وبعض من يزعمون الانتساب إلى العمل الحقوقي". وشدد المكتب في بيانه على "رفضه لهذه الانحرافات الخطيرة من قبل بعض الأحزاب وبعض نواب البرلمان، وبعض الإعلاميين الذين فسحوا المجال لانتصاب المحاكمات الإعلامية وللتوظيف السياسي لهذه القضية ضد استقلال القضاء، من دون أدنى احترام لمبادئ الحيادية بتمكين الطرف القضائي من الحضور والرد والتوضيح". وحذر من العواقب الوخيمة لحملات التجييش وتأليب الرأي العام ضد القضاة، ومن تداعيات التوظيف السياسي في هذه القضية دون إلمام بأوراق الملف وتفاصيل الوقائع".
في هذا السياق، قال رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، أحمد الرحموني، لـ"العربي الجديد" إن القضاء ليس بعيداً عن الرقابة، وهو يخضع لرقابة داخلية ولرقابة المجتمع المدني وأيضاً الإعلام والشعب، لكن هذه الرقابة يجب أن تكون بضوابط وألا تكون منفلتة، بحسب تعبيره. ولفت إلى أنه لم يكن من الممكن الحديث عن القضاء في النظام السابق، لأن القضاء كان محمياً من السلطة، ولكن اليوم لا يجب أن يكون الحديث منفلتاً، أو موجها"، بحسب قوله. وأضاف أن "قضايا الرأي العام مثل قضية لطفي نقض، عادةً ما تثير جدلاً وتخضع إلى رقابة شعبية، ولكن الخطير هو عندما تحصل انحرافات وتكون صادرة من السياسيين بالتحالف مع بعض وسائل الإعلام، ثم تتحول هذه الانتقادات إلى حملات ممنهجة على القضاء، معتبراً أن "هذا الانحراف خطير ويساهم في التراجع عن المكتسبات التي تحققت لفائدة القضاء، ويربك أداء السلطة التنفيذية". وشدد على أن "الحياد عن المسار يحدث عندما يتطور الجدل على السلطة القضائية، ويصبح تجريحاً في الأشخاص وفي نزاهة القضاء".
ولم يتوقف رد فعل القضاة عند البيان أو المواقف والتصريحات، بل تطور إلى فتح تحقيق ضد عدد من الإعلاميين والسياسيين. وأكد المتحدث الرسمي باسم النيابة العمومية، سفيان السليطي، بأن النيابة أذنت بفتح تحقيق قضائي في خصوص تصريحات الصحافي، لطفي العمارى، حول قضية لطفى نقض. وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية أن "تصريحات العمارى أساءت إلى القضاء"، متابعاً أن أحد قضاة التحقيق بالمحكمة الابتدائية في تونس، تعهد بهذا التحقيق. وأكد أن النيابة العمومية تعهدت كذلك باتخاذ التدابير اللازمة لملاحقة النواب الذين أدلوا بتصريحات ضد القضاء التونسي وتشكك في نزاهته. واعتبر أن هذه التصريحات "تتنافى مع مبادئ استقلالية القضاء ومع أسس دولة القانون، ومن شأنها أن تؤلب الرأي العام ضد السلطة القضائية".
ويأتي هذا الرد السريع للحد مما يسميه القضاة حملة ممنهجة تستهدف القضاء بشكل عام وتسعى لضرب استقلاليته. وتتكرر نفس الحملات من كل الأطراف السياسية، مع كل حكم قضائي يصدر في هذا الاتجاه أو ذاك. غير أن هذا الحكم الأخير جاء في ظل معركة سياسية متعددة الأوجه بين الأحزاب، وداخل الأحزاب نفسها وتياراتها المختلفة. وهناك صراع مواقع بين القوى السياسية، كما هناك صراعات خفية على إدارة الأحزاب، من دون إغفال التركة الإيديولوجية التي خلفتها السنوات الأخيرة منذ ما قبل انتخابات 2014 والتي يتضح أنها لم تنته بعد.
لكن القضاة لم يردوا مثلاً على رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي اعتبر في خطابه أمام البرلمان منذ يومين، أن لطفي نقض هو شهيد كل التونسيين، ما يعني أنه قُتِل ولم يمت طبيعياً كما أقرّ الحكم الابتدائي. ويشكل ذلك موقفاً سياسياً واضحاً لا لبس فيه، واصطفافا حزبيا باعتبار أن الشاهد ينتمي إلى "نداء تونس". وفي هذا السياق، يدعو البعض إلى عدم استهداف الصحافيين فقط في هذه القضية، لأنهم الحلقة الأضعف في ساحة سياسية تونسية معقدة. ويتخوف هؤلاء من أن يقود استهداف بعض التجاوزات أو المبالغات الصحافية إلى نتائج سلبية للغاية، أقلّها توسيع دائرة الخوف، وأقصاها كم الأفواه.