غسان أبو ستة: فلسطين وطني وواجبي المساعدة

03 اغسطس 2014
أبو ستة: الحرب الحاليّة أقسى بكثير من سابقاتها(ناصر رحمة)
+ الخط -


أبى الطبيب اللبناني، غسان أبو ستة (45 عاماً)، إلا أن يضع إمكاناته المهنيّة بتصرّف القطاع الطبي في غزّة، الذي ناشد الأطباء أصحاب الخبرة لدعمه خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، فاستجاب للنداء، على الرغم من أن وصوله إلى غزّة لم يكن بالسهل، إذ تنقّل بين مصر والأردن قبل أن يبلغ وجهته عبر معبر بيت حانون (إيرز)، متغلباً على كل الظروف الصعبة التي واجهته.

وأبو ستة مواطن لبناني من أب فلسطيني وأم لبنانيّة، أتمّ دراسته الجامعيّة العليا في بريطانيا التي قضى فيها 25 عاماً من حياته. وهناك، مارس الطب قبل أن ينتقل إلى بيروت للعمل في مستشفى الجامعة الأميركيّة في العام 2011. وقد نجح بتولّي منصب رئيس قسم جراحات التجميل فيه، في حين استمرّ في نشاطه مع جمعيّة العون الطبي للفلسطينيّين (ماب).

وهذه ليست المرّة الأولى التي يقصد فيها أبو ستة غزّة، في ظلّ احتياج القطاع إلى طواقم طبيّة من الخارج، فهو توجّه إليه خلال عدوان 2008 ـ 2009، ومن ثم خلال عدوان 2012. وها هو يعود للمرّة الثالثة، ويستقرّ في مجمّع الشفاء الطبي ليجري عمليات جراحيّة لمَن يحتاجها من جرحى العدوان الإسرائيلي الأخير وتقديم العلاج المناسب لهم.

كذلك، وخلال الانتفاضة الفلسطينيّة الثانية التي انطلقت في العام 2000، كان أيضاً من ضمن الطواقم الطبيّة الأولى التي ذهبت لمعالجة الضحايا. وقد أقام في مستشفى العودة في شمال قطاع غزّة، ستّة أشهر.

"فلسطين هي وطني، وواجب عليّ أن أقدّم المساعدة". وأبو ستة جازم في قناعته تلك، "فأنا لا أستطيع أن أتجاهل أي نداء طبي عاجل من غزّة، ولا أمدّ يد العون لهم، في حين أني أملك من الخبرة ما يؤهلني للتعامل مع تلك الإصابات الكبيرة والمحرجة التي تسجّل".

وبعد أيام عدّة من بدء مهمّته في غزّة، يتحدّث أبو ستة عن الفارق بين العدوان الحالي وما شهده في الحروب السابقة على غزّة. فالحرب الحاليّة كما يصفها "أقسى بكثير" مقارنة بسابقاتها، لجهة الأسلحة التي تستخدم والتعمّد لإبادة عائلات بأكملها. فقد تخطّى عددها 45 عائلة، بخلاف الحروب السابقة على غزّة التي راح ضحيّتها أقلّ من عشر عائلات كاملة.

ويشير أبو ستة إلى أن الأسلحة التي يوجّهها الاحتلال اليوم صوب المدنيّين تُستخدَم ضدّ العسكر، والقذائف والصواريخ التي سقطت على المنازل مصمّمة لضرب جبال وملاجئ عسكريّة في داخلها.

إلى ذلك، يرى أن منع المرضى من الخروج من قطاع غزّة، ولّد ضغطاً هائلاً على النظام الصحي في المستشفيات. فمصابون كثيرون غير قادرين على الرجوع إلى منازلهم التي دُمّرت، لمتابعة علاجاتهم فيها.

خلال سنوات الدراسة التي قضاها في بريطانيا، اكتسب أبو ستة خبرة كبيرة أفادته في مثل تلك الأزمات التي جعلته يتوجّه إلى القطاع. لكنه يتمنّى أن يكتسب الغزيّون خبرة في الخارج ويستفيدوا من فرص مثل تلك التي حصل هو عليها. ويقول: "على الطواقم الطبيّة في غزّة أن تستفيد من دورات في الخارج ومن الأبحاث الطبيّة المتوفّرة هناك، وأن تشارك في مؤتمرات طبيّة. فما من أحد هنا يستفيد من العلوم الطبيّة الحديثة في الخارج".

وكما تمّت الإشارة، لم يكن سهلاً وصول أبو ستة إلى غزّة. فبعد انتظار طويل لفتح معبر رفح حتى يتمكّن من دخول القطاع والمشاركة في معالجة المصابين، تبيّن له أن لا أمل في ذلك. فنجح عن طريق جمعيّة العون الفلسطيني في تنسيق دخوله عبر معبر بيت حانون (إيرز)، مستخدماً جواز سفره البريطاني.

ويروي أبو ستة أنه سافر إلى الأردن عبر مطار القاهرة، ومن هناك اجتاز ممرّ الجسر وتحمّل معاناة الانتظار مع الاحتلال لأكثر من عشر ساعات. ومن بعدها خبر معاناة أخرى على معبر بيت حانون (إيرز)، لكنه تمكّن من اجتيازه، ليصل إلى مستشفى الشفاء، حيث المعاناة الحقيقيّة.

لم يواجه أبو ستة أي صعوبة في التعامل مع المصابين ولا مع الطواقم الطبيّة. ففي داخل قسم جراحة الحروق، يتصرّف وكأنه طبيب غزي. فيقوم بمساندة أي طبيب متخصّص يهتمّ بالحالات ويتابع التقارير مع الممرّضين تخوفاً من حدوث أي مضاعفات في وضع الحروق، نظراً لتعرّض البشرة إلى مواد شديدة الانفجار (ديناميت).

لكن غسان أبو ستة كان له فضل كبير على بعض الأطباء المتخصّصين في مستشفى الشفاء. فبعد الحرب الأولى على غزّة، تواصل مع جهة داعمة خارجيّة لتأمين 12 منحة ماجستير في جراحة الحروق في جامعة لندن، عن طريق الدراسة عن بُعد. وخلال الدراسة، نجح الأطباء وحصلوا جميعهم على درجتَي "ممتاز" و"جيّد جداً".

خلال علاجه الجرحى، وخصوصاً الأطفال، حرص أبو ستة أن يضع خبرته الكاملة في الخدمة لإنقاذ جميع الأرواح، وهو كان يشعر بكل طفل وكأنه ابنه.. ويحزن عليه، ومن ثمّ يحاول القيام بكل ما في قدرته لإنقاذه.

بالنسبة إلى أبو ستّة، هو لم يخبر خلال مسيرته في إنقاذ الجرحى من الأطفال، ما رآه لدى أطفال غزّة. فالحروق التي طالت وجوههم كثيرة جداً، وكلّ حالة تحتاج إلى نحو 15 عمليّة جراحيّة تجميليّة، والإمكانيات في غزّة لا تسمح بذلك، "وهذا ما يهدّد مستقبل هؤلاء الأطفال".

ويستذكر أبو ستة كيف قام، خلال الحرب الأولى على غزّة، بتحذير جميع الطواقم الطبيّة من عدم تطوير نفسها والتزوّد بخبرات ودراسات. فهي ستضطرّ إلى التعامل مع ظروف حروب أخرى معتمدة على المتوفّر، ولن تجيد السيطرة على الحالات الحرجة ولا على غيرها من الإصابات.

دلالات
المساهمون