غزّة لا تزرع الزهور

03 فبراير 2015
استبدلت زراعة الزهور بالطماطم والخيار (محمد الحجار)
+ الخط -

لم يكن مصطفى الداوودي، أحد أقدم مزارعي الزهور في غزّة، يظنّ أنه في يوم سيحوّل مزرعته إلى إنتاج الطماطم والخيار، بعد 25 عاماً صدّر خلالها ملايين الزهور إلى دول أوروبا والأميركيتَين.

والحاج الداوودي (65 عاماً)، الذي يملك 20 دونماً في منطقة الزوايدة الزراعيّة في وسط القطاع، اضطر إلى استبدال زهوره وزرع الخضار، بعدما عجز عن استيراد بذوره من الضفة الغربيّة في عام 2014 المنصرم وبعدما جُرّف 15 دونماً من مساحة أرضه.

إلى ذلك، لم تدعم الحكومة الهولنديّة محصوله ومحاصيل غيره من مزارعي الزهور هذا العام، بالإضافة إلى أن العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع تزامن مع موسم الزراعة. فراح المزارعون بالتالي يبحثون عن مصدر آخر لرزقهم، فتحوّلوا إلى زراعات أخرى. وبهذا، ينضم مزارعو الزهور اليوم إلى مواطنين لهم يعانون من البطالة.

ويروي الداوودي لـ "العربي الجديد" أن مناطق الساحل في فلسطين التاريخيّة كانت تزرع أنواع زهور فريدة جداً، يحمل العديد منها فوائد كثيرة وتساهم تربتها الساحليّة في جودة منتجاتها. ويشير إلى أنه بعد النكبة، حاولت دولة الاحتلال استغلال هذه الثروة وزرعت مناطق الساحل بالزهور، لكنها لم تتقنها مثلما فعل الفلسطينيّون بالوراثة.

مؤمن حجازي من كبار مزارعي الزهور في غزّة، أيضاً. يقول لـ"العربي الجديد" إن إنتاج القطاع هذا العام من الزهور مخصّص فقط للسوق المحلي الذي يشهد إقبالاً ضعيفاً على شرائها، متوقعاً أن يصل الإنتاج إلى 120 ألف زهرة فقط خلال الموسم الذي يمتد لمدّة ستة أشهر. ويشير إلى أن هذه الكميّة هي ما توفّره محلات الزهور المحليّة وليس المزارع المنتجة.

ويشدّد حجازي على أن "التربة في غزّة خصبة جداً وهي أفضل للزراعة من تلك المتوفّرة في مناطق الجبال. لكن الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والعدوان الذي يتكرّر في كل عام، يؤديان إلى تدمير الأراضي وكذلك إلى تلف المنتجات التي تصدّر إلى الخارج على الرغم من حجمها المتواضع". يضيف: "لكنها منتجات توارثت إتقانها الأجيال أباً عن جدّ، لذلك تحظى باهتمام خارجي".

ويلفت حجازي إلى "خطورة تراجع زراعة الزهور. فهذه الظاهرة تهدّد واقع الزراعة القائم وتحصره في زراعات معيّنة". يضيف "هذا الواقع يهدم التاريخ الفلسطيني الزراعي المشهود له. واختفاء أنواع من المزروعات يعني تهديداً لكثير من المنتجات الزراعيّة، وفي هذه الحال يعطّل مثلاً إنتاج ماء الورد وغيره من منتجات العناية الصحيّة".

من جهته، يوضح المدير العام للتسويق والمعابر في وزارة الزراعة في غزّة تحسين السقا، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن "الحكومة الهولنديّة تدعم نحو 50 إلى 60 في المائة من تكلفة زراعة الزهور، من خلال مشاريع تفيد بها المزارع في حين تستفيد هي من تنوّعها. وكانت تدفع في مقابل الدونم الواحد نحو خمسة آلاف دولار أميركي". يضيف أن "حجم صادرات قطاع الزهور كان يصل قبل الحصار إلى نحو 50 مليون زهرة سنوياً وجهتها دول أوروبا".

لكن هولندا لم تُبقِ على دعمها للمزارعين، وقلّصته في العام الماضي ليصل إلى 700 دولار لكل دونم واحد. فأضعف ذلك زراعة الزهور وأجبر المزارعين على وقف زراعتها، لعدم وجود آلية لتوفير التكاليف ولا حتى طريقة لتوسيع تجارتها عبر المعابر التي تسيطر عليها دولة الاحتلال.

ويقول السقا إنه "قبل ثمانية أعوام، وبعد أحداث الانقسام، توقّف قطاع غزّة عن تصدير الزهور واكتفى ببيع المنتجات في داخل محلات الزهور في القطاع. ومع بداية عام 2011 عمل المزارعون على إعادة إحياء الزراعة بشكل كثيف للتصدير الخارجي. وفي العام نفسه صدّرت زهور وصلت قيمتها إلى نحو عشرة ملايين دولار".

خضار صيفيّة

وسط تراجع كبير في زراعة الزهور في قطاع غزّة، يوضح مدير عام التسويق والمعابر في وزارعة الزراعة، تحسين السقا، أن المساحات المزروعة بالزهور كانت تقدّر قبل الحصار بنحو 600 دونم، لكنها تقلّصت إلى 400 ومن ثم إلى 300 مع تفاقم الحصار.

وفي موسم 2010 ـ 2011، وصلت إلى 200 دونم. أما العام الماضي، فقد بلغت أدناها مع 60 دونماً. وأخيراً، توقفت زراعة الزهور ليتحوّل المزارعون إلى الخضار الصيفيّة.