غزّاويّات: الدراما الرمضانية في الفضائيات العربية..تحليق خارج سرب الواقع

22 يوليو 2014
الصورة تصميم مشترك بين باريس سيمسيك و/Getty
+ الخط -
 
لا تغيّر أحداث غزّة من برمجة الفضائيات العربية الرمضانية، تمضي برامج ومسلسلات هذه الأخيرة ضمن الإيقاع ذاته، فلا أرقام موت مرتفعة هناك لتوقفها، وتثير انتباهها لتعلن حداداً مؤقتاً... كأنّ ما يحدث في غزّة خارج حسابات العرض التلفزيوني، حتّى في تلك الفضائيات التي اعتادت أن توقف برمجتها المعتادة نزولا عند حدث إخباري خارج المعتاد.
كانت الفضائيات العربية تنفّست الصعداء تقريبا، بعد انتهاء مونديال البرازيل لكرة القدم، وقد وجدت في صفّارة نهاية المباراة النهائية إيذاناً ببدء سباق جديد بيّنها على الكعكة الإعلانية  وعلى الجمهور، بعدما سرقت أضواء المونديال الاثنين منها.
ولم تكن تلك الفضائيات، بطبيعة الحال، لترضى بمنافس جديد على ساعات عرضها الدرامية  الإعلانية، فتجاهلت أحداث غزّة، كما تجاهلت من قبل المونديال. وكلّها أمل بجمهور يتابع الدراما ولا يريد نشرات الأخبار، وهو رهان ربما كسبته في الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي على غزّة، حين كانت الأخبار الواردة من هناك لا تختلف كثيراً عن مسارات إخبارية سابقة اعتادها الجمهور. إلا أنّ العدوان البريّ الإسرائيلي وتوغّل القوات الإسرائيلية داخل القطاع المحاصر، وصولاً إلى قتل 18 جندياً إسرائيلياً، ثم مجزرة حيّ الشجاعية بحقّ مئات الفلسطينيين، معظمهم من النساء والأطفال، وأسر كتائب القسّام جنديا إسرئيليا هو شاؤول آرون... تسارع هذه الأحداث قلب المعادلة، وأسقط وهم سطوة الدراما الرمضانية، بعدما أدار كثيرون شاشات تلفزيوناتهم صوب القنوات الإخبارية بعيداً عن السباق الدرامي.
هكذا تراجعت النقاشات الجماهيرية حول الدراما، فلم يعد كثيرون يتحدّثون عن أخطاء مسلسل "سرايا عابدين" بحقّ تاريخ عائلة محمد علي باشا في مصر، وسقط الجدل حول دراما الكبار التي ميّزت هذا الموسم الدرامي وجرعة الإثارة والجرأة، وما عدنا نسمع ونقرأ سيل السخرية والتهكّم ممّا يقدّمه مسلسل "باب الحارة" ومنطقه الوطني الجديد، ولم يعد أحد يتململ من تكرارعادل إمام نفسه، ولا عن كاميرا مسلسل هيفاء وهبي المائلة التي قصمت رقابنا ولا عن بكائيات "اتّهام" ميريام فارس، كلّ ذلك غاب دفعة واحدة، أقلّه في مواقع التواصل الاجتماعي، بوصفه مؤشرا إحصائيا عفويا عن مزاج المشاهدة العربية، ليطفو على السطح حديث واحد هو: أحداث غزّة عموماً، وأسر الجندي الإسرائيلي، خصوصا.
أما من حيث الشكل الفنّي والمضامين الدرامية فما تقدّمه الدراما التلفزيونية في موسم 2014 هو أبعد ما يكون عن أجواء المعارك في غزّة، باستثناء عملين، هما مسلسل "ملح التراب" الذي يتناول تفاصيل يوميات المقاومة في لبنان ومواجهتها العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان، ومسلسل "حلاوة الروح" الذي اختار مخرجه شوقي الماجري مقاربة أحداثه، التي يفترض أنّها تجري في مدينة حمص السورية، بصورة إخراجية كان قد استهلكها بالكامل في مسلسله السابق "الاجتياح" الذي يتحدّث عن المقاومة الفلسطينية في مواجهة حصار القوّات الإسرائيلة مخيّم جنين واجتياحه لاحقا.
إلا أنّ حضور العملين الأخيرين على الفضائيات لا يكفي لنتحدث عن مصادفة تماهٍ درامي مع ما يحدث في غزّة، ومع التفات الناس حول الأخبار الآتية من هناك، فبدا الوضع على ما هو عليه مسلسلات درامية تحلّق خارج سرب مجتمعاتها، لا سرب ما يحدث في غزّة وحدها. والفضائيات تمضي دون لحظة توقّف واحدة، والجمهور يتنقّل بين نشرات الأخبار والمسلسلات، ليثبت على ما يلامس وجعه. وكثير من هذا الجمهور باتت أوجاع غزّة توجعه.
ثمة سؤال مبكّر، وساذج في آن معاً هل ستظهر أحداث غزّة اليوم في عمل تلفزيوني لاحقاً كما سبق وشهدنا تأثّر الدراما السريع بموضات درامية، منها الوله التركي ومنها أحداث الربيع العربي... تحت لافتة مواكبة الواقع؟
سنختصر الإجابة بجملة واحدة فقط: انظروا ماذا فعلت الدراما العربية للقضية الفلسطينية طوال أعوامها الـ66 لتعرفوا مجازرغزّة اليوم كم ستشغل من ساعاتها الدرامية غدًا.
المساهمون