غزة تعود لمربع الحصار الأول... تهديدات ومناكفات

18 ابريل 2017
فعاليات ضد الحصار نظمتها "حماس" أخيراً(عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -


عادت غزة إلى مربع الحصار الأول أو هكذا أريد لها، مع علو صوت التهديدات باستمرار سياسة خلق الأزمات في القطاع الساحلي المحاصر، الذي يقطنه مليونا فلسطيني، ومع التضارب الحاصل في المعلومات التي يقدّمها كل طرف فلسطيني لجمهوره، لتبرير الفوضى التي تضرب الساحة أخيراً.
أزمة غزة، أو أزماتها، مصطلح ينطبق على كل جوانب الحياة والمعيشة في القطاع، ومعه تبدأ سلسلة من المعاناة التي تتسارع في الحدوث، فأزمة خفض الرواتب الأخيرة، جاءت بعدها أزمة نقص الوقود وإطفاء محطة توليد الكهرباء، ومن ثم المخاوف من أزمة في القطاع الصحي، وقطاع المياه، وغيرهما من القطاعات الحيوية.
الأزمات على الأرض لا تختلف عن الأزمات السياسية المعقدة التي باتت تتصدر المشهد في غزة، والساحة الفلسطينية عموماً، وبات الحديث معها عن "مخطط إقليمي" لإنهاء وضع غزة "المتمردة" واقعاً، مع ضغط شديد من كل الاتجاهات، من الاحتلال الإسرائيلي عبر زيادة الحصار، ومن مصر التي تغلق معبر رفح، ومن السلطة التي أوقفت مخصصات مالية وقلّصت الدعم الذي تقدّمه للقطاع.
وتبدو الأجواء مشحونة أكثر من أي وقت مضى، فالسلطة الفلسطينية في رام الله رفعت سقف مطالبها، وبعد عشر سنوات تذكّرت غزة، وأرادت تخليصها من حكم حركة "حماس"، وإعادتها لـ"الشرعية" التي تتمسك بها، وطالبت بشكل واضح بتغيير حقيقي على الأرض.
وقابلت حركة "حماس" سقف المطالب العالي بمسيرات وحرق صور رئيس السلطة، محمود عباس، ورئيس الحكومة، رامي الحمد الله، اللذين اتهمتهما بـ"التواطؤ ضد غزة"، وبتصريحات قاسية، غابت عن المشهد السياسي والانقسامي الفلسطيني أخيراً، لكنها عادت هذه المرة بشكل أكثر حدة وأوضح، وأكثر هجومية.
وباتت مع هذه السقوف العالية من التهديد والوعيد والردود، فكرة التوافق الداخلي أو تنفيس الأزمات أبعد ما يكون، إلا إذا تدخلت جهة تستطيع إقناع الطرفين بتقديم تنازلات لتسيير مركب التوافق الفلسطيني، وهو ما لا يبدو ممكناً مع "التعنّت" الذي تتمسك به كل من "فتح" و"حماس".


في الشارع، تُطرح أسئلة كثيرة عن تحركات السلطة الفلسطينية الأخيرة تجاه غزة و"حماس"، والانقسام في الطرح يبدو واضحاً، مع تزايد مؤشرات استمرار الضغوط إلى ما لا نهاية، أو إلى استسلام أحد الطرفين واعترافه بالهزيمة. يسأل الشارع عن تأخر السلطة في خطواتها لإعادة غزة لـ"الشرعية الوطنية"، فيما آخرون يسألون عن فائدة الخطوات مع "حماس" التي صمدت في وجه ثلاث حروب إسرائيلية قاسية، وحصار مشدد لأكثر من عشر سنوات. فيما طرف ثالث ينتظر صامتاً "مفاجآت" قد تحدث في اللحظة الأخيرة وتنهي الأزمة الحالية، ومن هؤلاء الفصائل الأخرى غير "حماس" و"فتح"، التي لا تملك تدخلاً حقيقياً لإنهاء الوضع والأزمة الحادة، وتُتهم بأنّها متفرجة فقط.
لحركة "حماس" مع الضغوط حكايات طويلة من "الصمود"، فهي على لسان قادتها أخيراً، حذّرت من أنّ أي محاولة للضغط عليها ستبوء بالفشل. وعلى الرغم من ذلك، يواصل مسؤولو السلطة الفلسطينية رهانهم على انهيارها، أو صعوبة أوضاعها، ومن ثم عدم قدرتها على التأقلم مع الأزمات المستحدثة.
وطالبت "حماس" بحوار وطني شامل، للخروج من الأزمات الحالية، لكنّ "فتح" قابلت الطلبات بالتأكيد أنّ المشكلة مع الحركة الإسلامية "فقط"، وأنها هي القادرة على تجاوز الأزمة، وإنهائها بالشكل الذي يُخرج الجميع من الورطة، ويُنزل من أراد النزول عن الشجرة التي تم تشييدها بـ"العناد".
ومع الحالة السوداوية والمشهد الغامض، فإنّ مخاوف الحرب تبرز من جديد، فيمكن لـ"حماس" أن تذهب إلى الصدام المسلح مع الاحتلال الإسرائيلي، لتقلب الأوراق جميعاً، وتغيّر من المعادلات، ما يُصعب على الآخرين استمرار الضغط عليها، أمام الجمهور العربي والفلسطيني. لكنّ خيار الحرب مكلف جداً للحركة التي لم تخرج من الأزمات التي أنتجتها حرب صيف 2014، وقد لا تكون جاهزة لدفع ثمن جديد له، ليس من الناحية العسكرية فحسب، بل من ناحية الأوضاع المتفككة والآخذة بالتعقيد في القطاع الذي باتت في كل زواياه مأساة ومعاناة متفاقمة.
وفي انتظار وفد حركة "فتح" الذي يُتوقع أنّ يزور غزة في الأيام المقبلة، والذي سيأتي للحصول على إجابات من حركة "حماس" فقط وليس لخوض نقاش وحوار جديد، تبقى كل الاحتمالات مفتوحة، وتبقى الأجواء مرشحة لمزيد من التعقيد والضغط والحصار.