بدا مساء مدينة غزة، اليوم الأحد، مختلفا عن باقي أيام النصف الأول من عام 2015، إذ انبعثت السعادة في شوارعها وعلت زغاريد الفلسطينيات فرحا وطربا، بمناسبة زفاف أربعة آلاف عريس وعروس في حفل جماعي، هو الأكبر في تاريخ قطاع غزة المكتوي منذ تسع سنوات بنار الحصار الإسرائيلي.
ملامح العرس الجماعي بدأت تتبلور من ساحة السرايا، وسط المدنية المحاصرة، بعدما اجتمعت فيها مواكب العرسان من كل حدب وصوب، ليسيروا معا نحو ملعب اليرموك المجاور للساحة، تحفهم الورود وأهازيج فرق الدبكة الشعبية وأصداء الفقرات الفنية بأنواعها، وكذلك ابتسامات المصطفين على جانبي الطريق.
المشهد البهيج الذي جمع الرجال والنساء، والشباب والصبية، والكبار والصغار، على صعيد الفرح، تكفلت برعايته وتمويله الحكومة التركية ووكالة التنسيق والتعامل التركي "تيكا"، على أمل إعطاء مئات العائلات الغزية جرعة سعادة وفرح، مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى للحرب الإسرائيلية على القطاع، التي استمرت 51 يوما.
وعلى المدرجات البيضاء لملعب اليرموك الرياضي، مكان الحفل، جلس الشاب علي رأفت محاولا المزج بين ضحكات الفرح والدمعات التي تسللت خفية من عينيه، عندما تراءت أمامه مظاهر الخراب والركام المخيمة على حي الشجاعية الذي يمكن مشاهدته، قبل أن يتركه مجبرا إثر تدمير منزل عائلته في الحرب الأخيرة.
ويقول العريس رأفت (28 عاما) لـ"العربي الجديد": "كنت أحلم بهذه اللحظة منذ سنوات طويلة، ولكن على وقع الحياة القاسية في غزة وعدم وجود أبسط مقومات الحياة اليومية، أجلت ذلك مرارا"، مبينا أنه فور جلوسه على منصة العرس بدأت ذكريات الحرب الأخيرة تنبعث فانطلقت بعض الدمعات.
وإلى جانبه كانت السعادة ونشوة الفرح تغمر قلب العريس منصور القرم (22 عاما) وهو يلتقط بعض الصور التذكرية مع أفراد عائلته وأصدقاءه، مستندا على عكازين حديديين بسبب بتر قدمه اليمنى، بعد إصابته في أحد الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية على القطاع عام 2011.
وتعليقا على العرس الجماعي، أوضح القرم لـ"العربي الجديد" أن تنظيم العرس بهذا الزمان والمكان، يعد انتصارا جديدا على الاحتلال الإسرائيلي الذي حاول تشويه معالم الحياة الغزية، من خلال ثلاث حروب همجية شنها على القطاع، في سبع سنوات، فقتلت مئات الشباب وجرحت الآلاف.
وغصت أرضية الملعب المفروشة بالبساط الأخضر، بمئات العائلات التي تفاعلت بحرارة مع الفقرات الفنية المختلفة التي تخللت الحفل الجماعي، بجانب حضور بعض الشخصيات الوطنية والقيادية ووفود دولية وتركية متضامنة مع القطاع.
وعلى الناحية الأخرى، وقفت الشابة أنوار خالد (26 عاما) تلوح بالعلم الفلسطيني على وقع أغنية تمجد صمود سكان القطاع في وجه المعاناة والحصار، متزينة في ذات الوقت بالطرحة التراثية المطرزة بألوان العلم الفلسطيني والتركي معا.
واعتبرت أنوار الحفل بمثابة رسالة إنسانية يوجها سكان غزة إلى العالم، وقالت لـ"العربي الجديد": "يجب أن يعرف أحرار العالم بأن أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني، يعانون منذ تسع سنوات من الموت السريري، بسبب سكوت المؤسسات الحقوقية والدولية عن الظلم الإسرائيلي الذي يتخذ أشكالا عدة".
وتزامن موعد الحفل الجماعي، مع الذكرى الخامسة للهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية الأول في عرض البحر المتوسط، والذي أودى بحياة عشرة نشطاء أتراك كانوا على متن سفينة "مافي مرمرة" التركية، أثناء محاولة الأسطول كسر الحصار الجائر المفروض على القطاع، والذي يدخل عامه التاسع بعد بضعة أيام.