على الرغم من أنه لا يوجد اتهام رسمي لقطاع غزة بأي من الأحداث الأمنية في سيناء المحاذية للشريط الحدودي الفاصل، إلا أن تصريحات وتفسيرات مختلفة تصدر من الطرف المصري، ولا سيما من الإعلام، تتهم بوضوح غزة وحركة المقاومة الإسلامية "حماس" بالمسؤولية عن حوادث القتل.
ومع كل اتهام جديد، تجد حركة "حماس" ومعها القطاع، أنفسهما في حالة دفاع عن النفس، خشية من تطور الموقف أكثر في غزة. لكن الأخطر أنّ ما يبثّه الإعلام المصري من فبركات يؤثّر على صورة الفلسطيني في الشارع المصري.
هكذا وجد الفلسطينيون أنفسهم مرة أخرى، بعد أحداث سيناء الأخيرة، في حالة اتهام إعلامي ولا اتهام رسمي. واضطرت "حماس" ومعها قوى أخرى، إلى إعلان ألا علاقة للقطاع بما جرى ويجري في الأراضي المصرية. فغزة البريئة من الدم المصري والخلاف الداخلي ليست في وارد فتح جبهة غير جبهتها مع الاحتلال.
ونشرت وسائل الإعلام المصرية تقارير تتحدث عن أطراف فلسطينية مشاركة في قتل جنود الجيش المصري في سيناء قبل أيام عدة. وأجرت فضائيات مصرية مقابلات مع من سمّتهم خبراء أمنيين ومحللين عسكريين، نسجوا قصصاً عن "غزة ومسؤوليتها عن الجريمة".
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أكد في كلمة بثها التلفزيون المصري أثناء جنازة قتلى الجيش، عزم مصر تطبيق إجراءات أمنية جديدة على طول الشريط الحدودي مع القطاع، لإنهاء ما وصفها بالمشكلة، وذلك في إشارة للأحداث في سيناء.
ولم يذكر السيسي في حديثه العلاقة بين حدود غزة ومصر وبين الحادثة التي أدت إلى مقتل الجنود المصريين، لكن الإعلام المصري سرعان ما اتهم القطاع. كما وجه اتهاماته بالعملية والمسؤولية عن التخطيط لها تارة لحركة "حماس" وتارة أخرى لـ"جيش الإسلام".
وكان معبر رفح البري، بوابة غزة الوحيدة على العالم الخارجي، أول المتضررين من القرارات المصرية، إذ تم إغلاقه منذ يوم السبت الماضي وحتى إشعار آخر.
ويؤكد القيادي في حركة "حماس"، صلاح البردويل لـ"العربي الجديد"، أن حركته لا علاقة لها مطلقاً بما يجري في سيناء، وأنه لم يصلها اتهام رسمي بشأن ما حدث في الأيام الماضية. ويشير إلى أن آخر اتصال من الاستخبارات المصرية والمتعلق بتأجيل جلسة المفاوضات غير المباشرة، كان اتصالاً طبيعياً، ولم يتم الحديث خلاله عن اتهام "حماس" أو أي فلسطيني في حادث سيناء.
ويوضح البردويل أنه لم يبق قيادي في حركة "حماس" سواء على مستوى المتحدثين باسمها أو السياسيين في قطاع غزة، إلا وقام بإدانة ما جرى من قتل للجنود المصريين، وتمنى الرحمة لهم والشفاء للجرحى، مؤكداً أن "حماس" معركتها الوحيدة مع العدو الصهيوني وليس مع أي أحد آخر.
وكان العديد من قادة "حماس" والمتحدثين الإعلاميين باسمها قد كتبوا على صفحاتهم في "فيسبوك" تعازي لمصر في مقتل جنودها، وأعربوا عن حزنهم على إراقة الدم المصري. كما تحدث كل من القياديين البارزين في الحركة، محمود الزهار وخليل الحية، لفضائيتين تتبعان لـ"حماس" عن حادثة قتل الجنود وتعزيتهما لمصر بها.
ويشير البردويل إلى أن "بعض وسائل الإعلام المصرية لديها أفكار مسبقة وتتعامل بشكل غير أخلاقي، فتطلق الاتهامات تجاه القطاع من دون أي تحقيق أو تثبّت"، مرجعاً ذلك إلى "الجهات التي تقف خلفها، سواء من رجال أعمال أو سياسيين، يحركونها ضد الشعب الفلسطيني".
ويقول البردويل إن حركته شَكَت أكثر من مرة لمسؤولي الاستخبارات من السلوك الإعلامي العدواني تجاهها، وكان الرد المصري بأن "بعض الناس لا يستحقون الرد". ويضيف "نصحونا بألا نرد عليهم"، مؤكداً أن حركته مشغولة في الدفاع عن فلسطين وقضيتها، وليس لها عداءات مع أحد غير الاحتلال.
وعن المنطقة العازلة التي يجري الحديث عن إقامتها على الحدود بين مصر وغزة، يشير البردويل إلى أنها داخل الحدود المصرية، وهي شأن مصري لا علاقة لحركته بها، لكن حركة "حماس" تتمنى ألا يكون لها تأثير على الفلسطينيين، وألا تتسبب في إضافة مزيد من الحصار على القطاع.
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، عدنان أبوعامر، لـ"العربي الجديد" إن أية اضطرابات أمنية في مصر، وخصوصاً في سيناء، تدفع غزة ثمنها بشكل تلقائي، وذلك نتيجة العلاقة المتوترة بين مصر والقطاع منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي.
ويشير أبوعامر إلى أن الأحكام المسبقة التي يحملها الإعلام المصري وبعض السياسيين تجاه القطاع تجبر غزة على الدفاع عن نفسها، فالقطاع بات مطلوباً منه إثبات براءته في حدث لم يقترفه، متوقعاً أن تصب الأحداث الأخيرة مزيداً من الزيت على نار الخلاف الحمساوي المصري.
ويلفت أبوعامر إلى أن "تأجيل المفاوضات غير المباشرة بين الفلسطينيين والاحتلال، وتوقف التواصل الأمني مع القطاع، يعيدنا إلى النقطة صفر في العلاقات بين القطاع وحماس من جهة، والسلطات المصرية من جهة أخرى".
ومن المتوقع، وفق أبوعامر، أن تشهد الحدود بين غزة ومصر حراكاً عسكرياً ميدانياً متسارعاً، في ضوء المطالبات الداخلية في مصر بإفراغ المنطقة من السكان. وهو ما يعني إمكان استرجاع خطة المنطقة العازلة، مما سيزيد الخناق على القطاع.
ويعرب أستاذ العلوم السياسية في غزة عن اعتقاده بأن المنطقة العازلة ستزيد من تشديد الخناق على غزة وعلى عمل معبر رفح المغلق، إلى جانب تأجيل الملف السياسي والمفاوضات غير المباشرة حتى "إشعار آخر".