مشهد شوارع لبنان في الأيام الأخيرة جمع وجوهاً عدة للمأساة في البلد الصغير، إذ علق المواطنون في سياراتهم، وسط المياه التي دخلت إلى البيوت والمؤسسات، فعلى من تقع المسؤولية؟ وما السبيل للتدارك مستقبلاً؟
لا يشهد لبنان كوارث مناخية حقيقية عادة، لكنّه يشهد آثاراً كارثية للظواهر المناخية، بسبب سوء تجهيز بنيته التحتية من عدم قدرة على تصريف المياه إلى انسداد للشوارع والمجاري المائية المختلفة التي قد تدخلها مياه آسنة أيضاً. هذه الحالة جزء من الوضع البيئي والتنظيمي العام في البلاد، وليس مرتبطاً بوزارات وإدارات وبلديات وأجهزة حالية، إلاّ في استمراره فهو متوارث منذ عهود.
العاصفة "نورما" التي ضربت البلاد في الأيام الأخيرة أظهرت ذلك بوضوح، من خلال الشوارع التي ملأتها المياه، والمواطنين الذين علقوا فيها بانتظار أجهزة الإنقاذ التي فعلت ما في وسعها، ونجحت في معظم الأحيان بجهود كبيرة تحارب المناخ السيئ ومعه التجهيز السيئ.
يشدد رئيس "الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية" (مبادرة غير حكومية)، كامل إبراهيم، في حديثه إلى "العربي الجديد" على أنّ الحوادث المرورية المرتبطة بالسائقين، كانت قليلة جداً في أيام العاصفة، وهو ما يعود إلى فاعلية التوعية. لكنّه يشير في المقابل إلى أنّ الخوف الأكبر هو من الأيام التي ستعقب العاصفة بعدما تسببت في حفر على الشوارع وفي انهيار حوائط دعم وأعمدة. لذلك، يشير إلى أنّ المطلوب تدارك ذلك فوراً من خلال التنبيه وإجراء الصيانة السريعة على المستوى المطلوب.
يلفت إبراهيم إلى أنّ كثيراً من الدول تضربها عواصف قوية كالتي ضربت لبنان، لكن، لا يقع فيها ما وقع على شوارعه من فيضانات وانهيارات: "يجب أن نرى خلفية ذلك، ونسأل: هل كانت أشغال الشوارع على المستوى المطلوب، وهل كانت هناك رقابة على الأشغال؟ ومن المسؤول عن عدم صيانة الشوارع وتنظيف المجاري؟". يشير إلى أنّ هناك ما يمكن أن يقع طبيعياً مثل تسبب العاصفة باقتلاع أشجار، لكن، هناك إهمال أيضاً يتعلق باللوحات الإعلانية غير المثبتة جيداً، أو المثبتة في أماكن خاطئة على الشوارع في مختلف المناطق.
يقول إبراهيم إنّ الأولوية في لبنان ليست لصيانة الشوارع، إذ تتحرك الأجهزة دائماً في أعقاب وقوع الكارثة، مشيراً إلى أنّ الإجراءات الوقائية تقتصر على تنظيف بعض الأقنية وما شابه، من دون اتباع دراسات علمية في هذا المجال: "إذا أردنا سلامة مرورية فلا بدّ من شوارع آمنة، لا سيما تعزيز الرؤية للسائقين من خلال الإنارة، أو حتى العاكسات الضوئية خصوصاً في أوقات العواصف التي تنعدم فيها الرؤية". يتابع: "الشوارع الآمنة لا تعني فقط توفير المال لتوسعتها وتزفيتها، بل يجب أن يكون ذلك نابعاً من دراسات علمية تستوفي معايير محددة، كما لا بدّ من إجراء الصيانة العاجلة في حال التضرر، بالإضافة إلى محاسبة المتعهدين في الشوارع التي تعود أسوأ مما كانت بعد الصيانة".
أما من جهة المواطنين، فيدعوهم إلى الالتزام بتوجيهات القوى الأمنية، وعدم التنقل خلال العواصف إذا لم تكن سياراتهم مجهزة، إذ يستهلكون في هذه الحالة قدرات أجهزة الإنقاذ من خلال زيادة الازدحام وتعرضهم وتعريض الآخرين للخطر.
من جهته، يلقي الناشط البيئي، المهندس علي درويش، في حديثه إلى "العربي الجديد" بالمسؤولية في ما حصل في الأيام الأخيرة من أضرار على شوارع لبنان، مباشرة على "غير الفاعلين" من وزارة الأشغال العامة إلى البلديات: "في الماضي، كانت الأراضي تمتص الأمطار، إذ كانت المساحات الترابية كبيرة، اما الآن فالإسمنت والأسفلت في كلّ مكان، وهو ما يتطلب صيانة دورية. كذلك، لم تكن هناك نفايات تسدّ مصارف المياه كما هي الحال الآن، إذ لا تستوعب المصارف ما يدخل إليها من مياه. هناك سوء في التخطيط يعطل دور التنظيم المدني". يتابع: "كان في إمكانهم تدارك هذه الآثار طبعاً، فهم يتقاضون رواتبهم على هذا الأساس، لكنّهم عوضاً عن ذلك كانوا يهوّلون منذ أكثر من أسبوع أنّها عاصفة كبيرة، كي يتهربوا من المسؤوليات. أما عمل أجهزة الإنقاذ فإذا لم تسبقه وقاية فهو ليس أكثر من حبّة مسكّن".
وعن طريقة تجهيز مصارف المياه لمثل هذه الكميات، يشير درويش إلى أنّ المطلوب "تجهيز مصارف المياه لاستيعاب الحدّ الأقصى من المياه والذي وصل في بيروت إلى 800 ملم"، محذراً في هذا الإطار: "لو استمرت العاصفة ثلاثة أيام أخرى فقط لأغرقت بيروت وبقية المدن اللبنانية تماماً".
يذكر نقطة هامة: "إقفال المدارس في مثل هذا المناخ، يعني أن نسحب جميع الأطفال عن الشوارع، مع ما في ذلك من إرباك للأهل ممن سيمتنع كثيرون منهم أيضاً من الذهاب إلى العمل لرعاية أطفالهم. وهكذا ينخفض عدد السيارات تلقائياً، ما يمثل امتصاصاً للصدمة، وتغطية للفشل ليس أكثر".