غراميات ما قبل محمد علي وبعده

02 أكتوبر 2019
سرعة فاجرة من الدولة البوليسية إلى الأمنية (فرانس برس)
+ الخط -
هناك طريقتان للحب: ما قبل محمد علي وما بعده. لكنك لن تذهب بفكرتك إلى ذلك القسم المسمى "لايف ستايل" في المواقع الإعلامية.

الكل يعرف من هو #محمد_علي_فضحهم. أما "لايف ستايل" الذي لم تشتهر ترجمة عربية له، فبقي خفيفاً لطيفاً، ذا روح مستوردة. ربما لأننا نختلف عربياً على معنى الحياة (لايف)، فما بالك في تقديم عروض لستايل حياتي وحياتك.

لذلك، لا يمكن للحب ما قبل محمد علي وبعده أن يكون شأناً خفيفاً لطيفاً. نحن هنا لا نسرّح شعرك، بل نتأكد أن رأسك ما زال بين كتفيك.

ما قبل، كان يمكن لمحبين اثنين أن يحرصا على شمعتهما تضيء مترهما المربع. ما بعد محمد علي، بات على أي محبين أن يريا في الغيمة صورة السيسي، لأنه وجوده أكيد في كل وسائل التكنولوجيا، من أجهزة التنصت وكاميرات الشوارع، والتلفزيون المفتوح والمغلق، والطابعة، والثلاجة، ما عدا الثلاجة التي زاملت السيد الرئيس عشر سنوات.

والحب الذي كان يا ما كان، إدامُه الرسائل الورقية المعطرة، والصور المطبوعة في استوديو "أبو يونس" أصبح من أرشيف الزمن الجميل، أي الزمن الذي كان التجسس فيه يعتمد بشكل رئيسي على الحواس الخمس، ورشح الجبين. الزمن الذي ينتظر إرادة غادة السمان، مثلاً، حتى تقول: هذه رسائل غسان كنفاني إليّ.. غسان (المتزوج) المولع بي.


ما بعد محمد علي بات على كل حبيبين أن يرحبا بوجود السيسي (بوصفه النموذج العربي الفاقع) حاضراً بأنفاسه في المكالمات الهاتفية، والدردشات على مواقع التواصل، من صباح الرحمن حتى منتصف الليل.

الحب ليس مصلحة حكومية يُفرض عليها تعليق صورة سيادة الرئيس. إنه شأن خاص تغيب فيه المصلحة والحكومة وجمهور المراجعين.

ينسى هو وتنسى هي تحت اندلاع العاطفة ونعاسها، أنهما تحت ضوء المصباح.

ثم يفاجآن مثل ملايين المتورطين بأوهامهم الجميلة، بأن فيديوهات محمد علي المرحة مع صبايا في برشلونة أصبحت مشاعاً، وعلى يد الدولة التي يقول دستورها إن "للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تُمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة".

هذا ناقوس خطر. هذا خازوق مملوكي طوله 60 سنتمتراً.

على الواتساب

ستتذكر الحبيبة بهلع أنها أرسلت على الواتساب: "هل تحبني؟" فجاءها الرد "حبيبك شريف وأمين ومخلص إن شاء الله"، فضحكت، وصارت تبحث عن إيموجي لرجل ببنطلون مرفوع حتى الصدر. لم تجد، فكتبت "أي واحدة تقرّبلك يا حبيبي هشيلها من على وش الأرض".

ليس السيد الرئيس في شاشة التلفزيون بخدين بضّين لامعين، وضحك مسخسخ مع ضرب كف بكف، وعبارات مفككة، بل هو، وبضربة موجعة من محمد علي الرئيس الذي يقود الوطن علانيةً، بسرعة فاجرة من الدولة البوليسية إلى الأمنية.

قبل سنوات قال لي المفكر السوري الراحل الطيب تيزيني إن الدولة البوليسية تتعقب خصومها، لكن الدولة الأمنية تتعقب المجتمع كله.

الدولة البوليسية مكارثية. الأمنية كارثية.

قبل محمد علي، لم يكن لجوء الدولة إلى التجسس والتنكيل بسمعة الخصوم أمراً جديداً. إن أسرع استحضار لصورة النيل من الخصم، تسليط امرأة غانية توقعه في حبائلها، الحبائل التي تدار من غرفة سرية. رأينا ذلك كثيراً في السينما، التي نمثل فيها وتمثل فينا.

العصابة علناً

غير أن محمد علي طبع باسمه التاريخ وقسم الفضيحة إلى زمنين، وأجبر دولة الجيش على خوض المعركة بأخلاقيات عصابة، والإقرار بأن الحياة الخاصة المراقبة تبقى خاصة، إلا إذا قلت رأياً لا يعجبنا، أو للدقة حين تتشكل لديك رؤية معارضة، حين تجاهر بها.

كان يمكن ملاعبة المخرج خالد يوسف، والتنكيل بحياته الخاصة، بوصفه خصماً سياسياً، قال مثله مثل أي مواطن: لا لبيع تيران وصنافير، ولا للتعديلات الدستورية التي تجعل الرئيس رئيساً إلى الأبد، فخرجت فيديوهات خاصة برعاية الدولة تنكل بصورة المخرج.

هذه فيديوهات "إباحية" لشخص يعترض على تغول السيسي. وهذه استباحات لخصم تهدف إلى جعل "العبرة لمن يعتبر" بيد طرف واحد.

عاليها واطيها

الفنان المقاول محمد علي لم يقلب الطاولة، فهذا أقل بكثير مما فعله. إنه قلب قصور السيسي التي أنشأها عاليها واطيها. ولم يظهر السيد الرئيس بروب الحّمام بل بالبدلة المكوية ببسالة، لكنه كان بصيحة الطفل في القصة الشهيرة "الملك عارٍ الملك عارٍ".

وصحيح أن التنكيل بالمخرج خالد يوسف سبق نهضة محمد علي بعدة شهور، إلا أن لا أحد سوى هذا الأخير من طبع الصراع باسمه، وجعل وسائل إعلام النظام فرحة به طوال الوقت، وتسأله عن الوصفة السحرية في توليفة الباطون المسلح، والتمثيل في التلفزيون والسينما، ثم في ساعة سمّاعة قال للشعب: هذه نسختي. كان للتاريخ وجهان، مأساة وملهاة، وهذه المرة سنضيف: مخزاة.

المساهمون