تكتظ مكاتب الأسرة المنتشرة في المحافظات المصرية يومياً بعشرات النساء اللواتي يطلبن خلع أزواجهن، ليتراوح عدد الدعاوى القضائية التي يُنظر فيها بتلك الطلبات بين 900 و1500 قضية يومياً. ويُصار الفصل سنوياً بما يتراوح بين 25 و30 ألف قضية، لتحصي مصر نحو 30 ألف رجل مخلوع في كل عام. يُذكر أن محافظة الإسكندرية تحتل المرتبة الأولى بين المحافظات في قضايا الخلع.
على الرغم من حداثة قانون محاكم الأسرة الذي بدأ تطبيقه في عام 2000، فإن ثمّة تلالاً من قضايا الخلع أمام المحاكم المعنية. وتُسجَّل في محافظات الوجه البحري أكثر من 80% من قضايا الخلع، بينما تقلّ في محافظات الصعيد حيث يعدّها الجميع، من إناث وذكور، "عيباً".
وقد أصبح وضع قضايا الخلع في مصر "على غير المتوقع"، بحسب ما تقول شيرين (اسم مستعار) وهي خبيرة اجتماعية في مجمّع محاكم الأسرة في إمبابة في محافظة الجيزة، بسبب "كثرة النساء اللواتي يتوافدن يومياً على المحاكم طلباً للخلع لأتفه الأسباب"، موضحة أن "المجتمع المصري يشهد حالة خلع واحدة كل سبع ساعات تقريباً". تضيف شيرين لـ "العربي الجديد" أن "قرار إنهاء العلاقة الزوجية من قبل الزوجة ما زال غير مقبول، كذلك فإن عدداً كبيراً من الرجال يرفض هذا القانون. وينهي كثيرون منهم علاقتهم بزوجاتهم بطلاق شرعي بمجرّد أن تصل الزوجة إلى محكمة الأسرة، إذ يرى الرجل بذلك إهانة له". وتطالب شيرين الدولة بأن "تعي هذه المشكلة بعدما تحولت إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة، لا تقلّ شأناً عن المشكلات الاقتصادية والسياسية، وذلك قبل أن يقع المجتمع المصري كله في الهاوية". لذا ترى "ضرورة البحث عن أسباب الظاهرة والعمل على إيجاد حلول جذرية. كذلك على الدولة أن تنمّي الوازع الديني والأخلاقي في نفوس المواطنين، إذ إن تراجع القيم والأخلاق والبعد عن الدين تعدّ أسباباً رئيسية لتفاقم المشكلات الأسرية وتفشّي حالات الطلاق".
وكانت الفرحة التي عبّرت عنها ربّة منزل تدعى شيماء عبد المنعم بعد خلع زوجها، قد أثارت حفيظة عدد كبير من المصريين، إذ عمدت إلى تقديم تورتة وشربات ومخبوزات وسط الزينة بمناسبة الخلع. تجدر الإشارة إلى أن كثيرين هم الذين يرفضون أن يتحول الطلاق أو الانفصال بين زوجين إلى نوع من "السخرية" بحسب وصف البعض والخروج عن العادات والتقاليد. ويسألون: إذا كان الخلع على هذا الشكل، فكيف يكون الاستعداد للزواج؟
بيّن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ارتفاع نسبة الطلاق في مصر، حتى أصبحت الأولى عالمياً بمعدل فاق 170 ألف حالة في العام الأخير، أكثرها عن طريق قانون الخلع. وقد عزا الجهاز ذلك إلى "الظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية، فضلاً عن نقص الوعي أو إدمان المخدرات، وانتشار المواقع الإباحية على الإنترنت". يُذكر أن قانون الخلع يساعد المرأة على الطلاق من دون علم زوجها.
في جولة على محاكم الأسرة، يمكننا أن نلحظ الغرائب والعجائب. تطلب إحدى الزوجات الخلع في محافظة الجيزة، إذ إن شخيره كان يزعجها أثناء النوم، فيما تطلب أخرى ذلك لأن زوجها "مدمن كمبيوتر" وله علاقات مع نساء أخريات عبر الشبكة وهو يتواصل معهنّ أثناء نومها. وفي محافظة الشرقية، رفعت زوجة قضية خلع ضد زوجها المدرّس لأنه تجسس على مكالماتها الهاتفية وراقبها أثناء سيرها في الشارع. وفي محافظة الإسكندرية، رفعت زوجة قضية خلع ضدّ زوجها بعدما اكتشفت أنه عامل نظافة وليس موظفاً.
اقرأ أيضاً: "قيد عائلي" لكشف الزواج السري
إلى ذلك، طلبت امرأة الخلع إذ إن زوجها يغازل شابات في الشارع ويلحق بهن، فيما حُكم بالتطليق خلعاً لعدد من النساء اللواتي اكتشفن أن أزواجهن من مدمني المخدرات أو الذين صدرت في حقهم أحكام سابقة في قضايا جنائية قبل الزواج منهن.
يرى الباحث في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور سيد إمام أن "الحالة الاقتصادية تلعب دوراً كبيراً في الطلاق أو الخلع في مصر، إذ ازدادت نسبهما خلال السنوات الماضية بالتزامن مع تردّي ظروف البلاد الاقتصادية". يضيف لـ "العربي الجديد" أن "كثيرين هم الشباب الذين توقفوا عن العمل وسط انتشار واسع للبطالة. ونذكر أيضاً الظروف الاجتماعية السيئة التي تمر بها أسر كثيرة، من خلال التدخلات غير المنضبطة التي تؤدى إلى مزيد من الخلافات بين أي زوجَين". ويبيّن أن "75% من حالات الانفصال هي لشباب حديثي الزواج، الأمر الذى سوف ينعكس سلباً على الأطفال من تلك الزيجات في المستقبل".
ويشير إمام إلى أن "من أسباب الطلاق المبكر الخيانة الزوجية والجفاف العاطفي وعدم الإنجاب والإدمان وغيرها، بينما تقف الجهات المعنية مكتوفة الأيدي في مواجهة تلك الظاهرة وانتشارها"، موضحاً أن "مصر أصبحت تحتلّ المرتبة الأولى عالمياً لجهة أعداد الطلاق ونسبه، ويكاد لا يخلو بيت في مصر من حالة طلاق. كذلك لم يؤدّ الإعلام المرئي والمسموع دوره المنشود للحدّ والوقاية من ظاهرة انتشار الطلاق الذي يزداد سنوياً".
من جهته، يطالب رئيس لجنة الفتوى الأسبق في "الأزهر" الشيخ جمال قطب "بضرورة الاهتمام بالوعي الديني لمواجهة الظاهرة الخطيرة التي تهدد كيان المجتمع المصري، بهدف رفع الوعي والتبصير بمخاطر أبغض الحلال عند الله الطلاق أو الخلع لأن كليهما انفصال". ويطالب أيضاً "علماء علم النفس والاجتماع والصحة العامة بتوعية المقبلين على الزواج، مشيراً إلى أنه لا سبيل للحد من انتشار ظاهرة الطلاق في مصر إلا بتضافر كل الجهود". ويشدد قطب على أهمية دور مكاتب التسوية والمنازعات الأسرية في محاكم الأسرة، ويدعوها إلى التنبه حول خطورة الأمر عندما تعرض الزوجة خلع زوجها، وأن تكون تلك المكاتب على وعي ديني وتمتلك أدوات للإقناع بخطورة الطلاق.
اقرأ أيضاً: "حماتي سبب طلاقي"