غجر فرنسا.. مواطنون.. كانوا "لصوصاً وخاملين"

19 يونيو 2015
الفرنسيون ليسوا متسامحين مع الغجر (جان بيار مولير/فرانس برس)
+ الخط -

قبلَ أيام، صوّت البرلمان الفرنسي على قانون قدّمته الغالبية الاشتراكية، للتخلي عن "وثيقة المرور" التي كانت إلزامية لكل غجري يطبقُ سن السادسة عشر، ليُصحّح ظلماً تاريخياً كان يعاني منه الغجر في فرنسا. ظلمٌ دفع العديد من الدول الأوروبية والمنظمات الحقوقية إلى انتقاد الدولة الفرنسية، وخصوصاً بعد المعاملة القاسية التي تعرّضوا لها خلال فترة رئاسة نيكولا ساركوزي.
وينصّ مشروع القرار الجديد على بناء المزيد من أماكن الاستراحة لهؤلاء الرحّل. وبهدف إرضاء اليمين الأقل تعاطُفاً مع الغجر، تضمّن تسهيل إجراءات تفكيك المعسكرات غير القانونية، ما يعني منح صلاحيات إضافية لوزارة الداخلية. وخلال تقديمه مشروع القانون، قال النائب الاشتراكي دومينيك رامبورغ: "حان الوقت أن نعترف أن الغجر مواطنون فرنسيون".
تجدر الإشارة إلى أن وثيقة المرور فُرِضت على الغجر عام 1969، وتتضمن اسم المجموعة التي ينتمي إليها الغجري، ويجب على حاملها تقديمها لرجال الشرطة مرة في السنة، أو يغرّم بنحو 1500 دولار.

من جهتهم، استقبل الغجر القانون الذي طال انتظاره بارتياح، وخصوصاً أنه يسمح لهم بالتنقل من مدينة إلى أخرى بحريّة، من دون الحاجة إلى إخبار الشرطة. أيضاً، يتيحُ القانون للغجر الاندماج أكثر فأكثر في سوق العمل. إذ أن بقاءهم في أماكن شبه مغلقة كان يقلّل من فرص عثورهم على عمل، ويضعهم في إطار "الخاملين الذين لا يريدون الحصول على عمل".
في السياق، يقول المحامي الفرنسي حسن المعطي إن هذا "القانون يضع الغجر على قدم المساواة مع المواطنين الآخرين، ويمنحهم حق التنقل والعمل والسفر". يضيف أن "ظلماً تاريخياً أُزيح عن كاهل هؤلاء"، علماً أنه "يتناقض مع مبادئ الثورة الفرنسية، وهي الأخوة والمساواة والحرية". ويتمنّى أن تتغير النظرة الشعبية حيال هذه المجموعة، مضيفاً "بعد إقرار هذا القانون العادل، نتمنى أن يغيّر الفرنسيون نظرتهم حيال الغجر، ويبدؤوا في التحاور معهم".

اقرأ أيضاً: الغجر يقاومون الإقصاء

لم يكن الغجر في فرنسا أحراراً في السفر. معاناتهم كبيرة، لعلّ آخرها وأكثرها مأساوية، الإبادة التي تعرّضوا لها من قبل النازيين خلال الحرب العالمية الثانية. ولا يعرف كثيرون الظروف الصعبة التي يعيشها الغجر في فرنسا، والصورة السيئة المرسومة عنهم في الخيال الشعبي، واعتبارهم لصوصاً وخاملين وغيرها من الصفات.
في هذا الإطار، يقول الصحافي والمؤرّخ دومينيك فيدال، بناء على آخر استطلاع للرأي أجرته اللجنة الوطنية الاستشارية لحقوق الإنسان، عن مؤشرات التسامح في فرنسا، أن هناك نفوراً كبيراً حيال الغجر في فرنسا، بالمقارنة مع المجموعات الإثنية والدينية والعرقية الأخرى. ويبيّن أن الفرنسيين متسامحون مع اليهود بنسبة 79,5 في المائة، ومع السود بنسبة 73,6 في المائة، والمنتمين إلى دول المغرب العربي بنسبة 62,16 في المائة، والمسلمين بنسبة 53 في المائة، ليحتلّ الغجر أسفل القائمة بنسبة لا تتجاوز الـ 28 في المائة.

قبلَ قرون عدّة، هاجر، الغجر إلى أوروبا وأميركا. وتشير الإحصاءات الرسمية الأوروبية إلى وجود ما بين 10 و12 مليون غجري في أوروبا، من بينهم ستة ملايين شخص في دول الاتحاد الأوروبي، علماً أن أصولهم من رومانيا وبلغاريا واليونان وسلوفاكيا وصربيا والمجر.
الغجر في فرنسا ليسوا كتلة واحدة، وتختلف تسمياتهم. يقدر عددهم بنحو مليوني شخص. وقد وصلت المجموعة الأولى إلى فرنسا بعد الحرب العالمة الثانية، ثم جاءت المجموعة الثانية في سبعينيات القرن الماضي، والثالثة في تسعينيات القرن الماضي. وإن كان غالبيتهم قد اختاروا الاستقرار في البلاد، ما زال البعض يفضلون الترحال، علماً أنهم يحملون الجنسية الفرنسية، ويقدّر عددهم بنحو 400 ألف، وقد صنّفتهم الإدارة الفرنسية في دائرة "الرحّل".
وتجدر الإشارة إلى أن هناك ما بين 15 إلى 20 ألف غجري ينحدرون من رومانيا وبلغاريا وتشيكيا وسلوفاكيا والمجر وغيرها، وقد وصل غالبيتهم إلى فرنسا في تسعينيات القرن الماضي بعد انهيار الأنظمة الشيوعية. وعلى الرغم من السنوات التي قضوها في فرنسا، ظلّ وجودهم غير شرعي، وعانوا من مشاكل في الاندماج، وعاشوا في بيوت من صفيح ومعسكرات عشوائية في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى. وبعد دخول رومانيا وبلغاريا في الاتحاد الأوروبي عام 2007، احتفظ هؤلاء بعلاقة وثيقة مع دُوَلهم الأصلية، ليتنقلوا بين فرنسا وهذين البلدين.

لطالما تعرّض هؤلاء الغجر باستمرار لحملات طرد من مدن الصفيح ومعسكراتهم. كما أن أبناءهم محرومون من التعليم، علماً أن بعض المدارس ترفض استقبالهم. وعادةً ما يسمعون عبارات تحمل تمييزاً عنصرياً بحقهم، ما يعني أنهم ضحية خطابات واعتداءات عنصرية. عام 2010، وخلالَ رئاسة نيكولا ساركوزي، كانت هناك حملة ضد المقيمين بطريقة غير شرعية. وحتى عام 2013، لم يكن بإمكانهم الحصول على وظائف، وقد انتهى الأمر مع بداية عام 2014، فقط، وصار بإمكانهم العمل على غرار سائر مواطني الاتحاد الأوروبي.

إنه تاريخ طويل من المعاناة. بدأت السياسات التمييزية في الجزء الأول من القرن العشرين، وخصوصاً بعد اصدار قانون 16 يوليو/حزيران عام 1912 (الذي ألغي عام 1969)، والذي يُميّز هؤلاء "الرُحَّل" عن باقي الفرنسيين، من خلال وضعهم في معسكرات فرنسية خلال الحرب الثانية حتى العام 1946. أما اليوم، ما زالوا يعانون من صعوبة في التنقل، إذ يشترط حصولهم على "وثيقة مرور". وعلى الرغم من صدور قانون "بيسون" بتاريخ 5 يوليو/حزيران عام 2000، الذي يفرض على كل بلدة يتجاوز سكانها 5000 شخص أن تخصص مكاناً لاستقبال الغجر، إلا أن رؤساء البلديات كانوا يرفضون تطبيقه. ووصفت منظمة العفو الدولية، التي اعتادت مند سنوات انتقاد السياسة الفرنسية حيال الغجر، في تقريرها الصادر بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2013 حالتهم، قائلة إنه "محكومٌ عليهم بالتيه والطرد التعسفي من فرنسا". مع صدور القانون الجديد، قد تنتهي معاناة هؤلاء، ويبقى أن يتمكنوا من الاندماج في المجتمع.

اقرأ أيضاً: تبرئة وزير داخلية فرنسا السابق من العنصرية تجاه الغجر