فشلت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي الهولندية، يوم الثلاثاء، في إثبات التهم الكثيرة و"الكبيرة" الموجهة إلى رئيس ساحل العاج السابق، بين عامي 2000 و2011، لوران غباغبو، وحليفه شارل بلي غوديه، فقررت تبرئتهما من شبهات ارتكاب جرائم الحرب، وأمرت بإخلاء سبيلهما فوراً. غباغبو، الذي كان أول رئيس جمهورية في العالم يُساق إلى المحكمة، لم يكن أول الرؤساء والشخصيات الأفارقة الذين حصلوا على براءتهم، فقد سبقه إلى ذلك كل من نائب رئيس الكونغو السابق جان بيار بيمبا، الذي أخلي سبيله العام الماضي بعد تبرئته من اتهامات بارتكاب جرائم حرب، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، الذي أُسقطت الاتهامات الموجهة إليه في عام 2015.
ووجّه الحكم بالبراءة صفعة لممثلي الادعاء، الذين خسروا قضايا أخرى كبيرة في السنوات القليلة الماضية، لا بل لم يكسب الادعاء سوى ثلاث قضايا تتعلق باتهامات بارتكاب جرائم حرب في 15 عاماً، فضلاً عن عدم قدرته على تنفيذ الحكم بتوقيف الرئيس السوداني عمر البشير. وقال رئيس القضاة كونو تارفوسر، إن "الادعاء أخفق في إثبات الاتهامات على غباغبو وحليفه المقرب شارل بلي غوديه وأمر بإخلاء سبيلهما". وأضاف أنه "توصلت الأغلبية إلى أن الادعاء فشل في إثبات وجود خطة مشتركة للإبقاء على غباغبو في السلطة بما يشمل ارتكاب جرائم ضد مدنيين". وتابع أن "أغلبية الغرفة المكونة من ثلاثة قضاة قضت بأن الادعاء فشل في إثبات الاتهامات ضد الرجلين". وتجمّع عشرات من أنصار غباغبو خارج قاعة المحكمة، وبينهم كثيرون سافروا إلى لاهاي بحافلات من باريس ورددوا هتافات مؤيدة له ورقصوا بعد النطق بالحكم.
وقال أوليفيه كيبري، أحد أنصار غباغبو في أبيدجان، إحدى أكبر مدن ساحل العاج وعاصمتها السابقة، إن "القاضي أسقط التهم بالكامل. أشعر بسعادة غامرة. سأفقد صوابي، فأنا لم أتوقع أن يخلى سبيله". وكانت محاكمة غباغبو (73 عاماً)، وغوديه، قد بدأت منذ عام 2016. ومثُل غباغبو أمام المحكمة مرتدياً بذلة باللون الأزرق الغامق واستمع للحكم، فيما اضطر قاض لإلزام أنصار للرئيس السابق خارج القاعة بالهدوء بعدما تعالت أصوات تهليلهم. وغباغبو المنتمي إلى الأكثرية المسيحية في جنوب ساحل العاج، كان نداً للرئيس "التاريخي" لساحل العاج بعد الاستقلال، فيليكس أوفويه ـ بوانيي، وعارضه في الكثير من المحطات. وحاول مراراً الترشح للانتخابات الرئاسية قبل أن ينجح في عام 2000، إثر الانقلاب الذي قاده روبير غويه في ديسمبر/ كانون الأول 1999، والذي سمح لغباغبو، أستاذ التاريخ السابق، بالفوز منطقياً بعد استبعاد منافسين أقوياء، كالحسن واتارا، الرئيس الحالي لساحل العاج، والرئيس الأسبق هنري كونان بيدييه.
أدى ذلك إلى توتر كبير بين غباغبو وواتارا، الذي سيطرت قواته على مختلف المدن الرئيسية وطوّقت المقرّ الرئاسي، حتى إسقاط غباغبو، في 11 إبريل/ نيسان 2011. وبعد ذهاب غباغبو إلى مدينة كورهوغو في وسط ساحل العاج خاضعاً للإقامة الجبرية، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، مورينو أوكامبو، أن "غباغبو متهم بارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية، ومنها القتل والاغتصاب وتعديات جنسية وإعدامات، بين 16 ديسمبر 2010 و12 إبريل 2011". تمّ توقيف غباغبو ونُقل إلى لاهاي في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، من أن دون أن يعلم وجهته.
وتمّ تأجيل محاكمة غباغبو وشريكه بلي غوديه مرات عدة، سواء لأسباب صحية أو لغرض تحضير الدفاع لأوراقه، ومع بدء المحاكمة في 28 يناير/ كانون الثاني 2016، دفع غباغبو وبلي غوديه ببراءتهما من كل التهم.
(العربي الجديد، أسوشييتد برس، فرانس برس، رويترز)