غالب محمصاني: غياب الاستقرار حرم بورصة بيروت من النمو

23 مايو 2016
رئيس بورصة بيروت بالإنابة غالب محمصاني
+ الخط -
"عوائق عديدة ما زالت تقف حجر عثرة أمام تطور أداء البورصة" بحسب ما يؤكده رئيس بورصة بيروت بالإنابة غالب محمصاني، ويشير في مقابلة لـ "العربي الجديد" إلى أن غياب الاستقرار السياسي، والأمني، والتأخر في إقرار القوانين عوامل أضعفت البورصة.
وهنا نص المقابلة: 

*ما هو واقع بورصة بيروت اليوم، ولماذا لا تلعب الدور الموكل إليها كباقي أسواق المال العربية؟
تعكس البورصة بشكل عام صورة واضحة لأوضاع البلاد. ففي ظل الاستقرار السياسي، تنتعش القطاعات الاقتصادية بشكل لافت، ومن أهم القطاعات التي تتأثر بالاستقرار السياسي والاقتصادي، أسواق المال. في لبنان، لا يمكن الحديث عن استقرار سياسي، في ظل الظروف السائدة، ولذا فإن بورصة بيروت تأثرت كباقي القطاعات، وبات عملها محصوراً في نطاق ضيق.
أضف إلى ذلك، تعيش المنطقة العربية أجواء متوترة، تنعكس على أداء البورصة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال غياب المستثمرين، خاصة المستثمر العربي الذي يبحث دوماً عن الاستقرار، والذي لم يجده في لبنان في السنوات الماضية.

*برأيكم ما هي أسباب تعثر البورصة اللبنانية؟
تعود أسباب تعثر البورصة اللبنانية بشكل رئيسي إلى المشاكل السياسية والأمنية التي عصفت بالبلاد. رغم أن البورصة اللبنانية تعتبر من أولى البورصات التي أنشئت في العالم العربي، حيث تأسست في عام 1920، إلا أن الأحداث التي مرت على لبنان أضعفتها بشكل كبير. وبعد انتهاء الحرب الأهلية، وإعادة الثقة إلى مؤسسات الدولة، عادت البورصة لتمارس دورها، لكن ما لبثت أن توقفت مجدداً بعد الأزمة العالمية، حيث انشغل المستثمرون في سداد ديونهم، وانصرفوا عن استثمار الأموال في بورصة بيروت، كما أن الأحداث الأخيرة، والشلل السياسي، عوامل لم تساهم في بلورة التشريعات الجديدة التي من شأنها تطوير البورصة.

*إن أردنا المقارنة بين أداء بورصة بيروت وباقي البورصات العربية، كيف تصفون أداء بورصة بيروت؟
أولاً، لا يمكن القول إن بورصة بيروت تراجعت بسبب ضعف في الأداء، أو غياب ونقص في الخبرات العلمية، على العكس من ذلك، نمتلك خبرات وكادراً بشرياً مميزاً، لكن غياب الاستقرار السياسي والأمني سمح للعديد من أسواق المال في استغلال هذا الضعف في أسواقنا، وبالتالي تقدمت البورصات العربية. لقد كانت بورصة بيروت تحتل المركز الأول بين أسواق المال العربية قبل الحرب الأهلية. لذا أعتقد أن مجرد المقارنة بين أسواق المال العربية وبورصة بيروت فيه الكثير من الإجحاف. فالاستقرار السياسي والأمني مفتاح النمو لأي القطاع، فكيف بالقطاع المالي الأهم والأبرز، المتمثل ببورصة بيروت.


*يتضح من كلامكم أن غياب الاستقرار هو العامل الوحيد الذي ساهم في تغيب البورصة اللبنانية عن الساحة العالمية، والعربية؟
بالتأكيد، ومن المؤسف لا بل من المحزن أن تكون البورصة اللبنانية في مستوى ضعيف، وأن نشهد تطور باقي أسواق المال، بينما نحن لا نزال في مستويات ضعيفة وخجولة.

*برأيكم ما هي العوائق أو التحديات أمام البورصة اللبنانية، وكيف يمكن تطوير أداء العمل؟
في الدرجة الأولى، غياب الاستقرار السياسي يعتبر من أبرز العوائق، وما له من تأثيرات سلبية على الاقتصاد، يؤثر بشكل فعال على أداء البورصة. بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في التشريعات المالية التطويرية، ونقص في تطوير الأدوات، لذلك، بدأنا العمل على تطوير الأنظمة التكنولوجية لتواكب أسواق المال العالمية، وعقدنا العديد من الشراكات، وفتحنا مجالات واسعة للتعاون مع بورصات عالمية، منها "يورونكست" بورصة الأسهم الإلكترونية الأوروبية، بالإضافة إلى تطوير نظام التعامل عن بعد.
وبعيداً عن هذه الأمور، فقد قمنا في عام 2008 بالتعاقد مع شركة فرنسية، لإجراء دراسة حول أداء البورصة في لبنان، وآليات تطويرها، وقد ارتأت الشركة الفرنسية أن تطوير الأداء لا يمر إلا من خلال تغيير ثقافة المجتمع اللبناني، وتغيير نظرته إلى العمل في أسواق المال، ما يعني أن الثقافة الرجعية شكلت عائقاً أمام تطور البورصة في لبنان.

*هل تعتقدون أن هذه الأمور كافية لتفعيل أداء السوق المالية اللبنانية؟
لا يمكن اعتبار أن ما قمنا به كافٍ لتطوير الأداء، هناك العديد من الخطوات التي لا بد من القيام بها، والتي تطلب تدخل المعنيين في الدولة، ومن أبرز الأمور التي يمكن أن تساعد في تطوير أداء البورصة هو خصخصتها، وإعادة الثقة إلى السوق اللبنانية، والعمل على زيادة الإعفاءات الضريبية، بالإضافة إلى سن القوانين التي تواكب التطورات العالمية في مجال أسواق المال، فضلاً عن القيام بحملات توعية لنشر ثقافة التعامل في أسواق المال، وتشجيع الشركات والمؤسسات لإدراج أسهمها.

*تتحدثون عن خصخصة بورصة بيروت، برأيكم هل يعتبر هذا الحل المثالي لإنقاذها؟
لا شك أن خصخصة البورصة في لبنان ستعطي دفعاً قوياً، إذ إن المستثمر العربي أو الأجنبي سيشعر بثقة أكبر في أداء أسواق المال اللبنانية، أضف إلى ذلك، فإن خصخصة البورصة يساعد في تعزيز حركة التداول، والسماح بإدراج العديد من الأدوات المالية.
لكن حتى اليوم، لم يقر مجلس الوزراء المراسيم الخاصة بخصخصة البورصة، رغم أنه في عام 2011 تم إقرار قانون الأسواق المالية، وتم البحث في تحويل بورصة بيروت من مؤسسة عامة إلى شركة مساهمة مملوكة من الدولة، ومن ثم خصخصتها بشكل كامل، ولكن منذ ذلك الوقت حتى اليوم لم يقم مجلس الوزراء بتوقيع المراسيم الخاصة لتحويل البورصة إلى شركة خاصة، ولم نشهد أي حراك في هذا الإطار.

*لماذا لا نلحظ تدفق الشركات اللبنانية لإدراج أسهمها في بورصة بيروت؟ ولماذا لا يوجد إقبال من قبل هذه الشركات؟
يعود السبب في ذلك إلى غياب الثقافة المتعلقة بالأسواق المالية، فالشركات اللبنانية بمعظمها شركات عائلية لا تؤمن بجدوى الاستثمار في الأسواق المالية، ولذا لا بد من تغيير الثقافة، وتشجيع الشركات لإدراج أسهمها في أسواق المال، لما له من انعكاسات إيجابية على كافة الأصعدة.

*يكثر الحديث عن إنشاء منصة إلكترونية للتداول، فهل تعتقدون أن هذه المنصة مكملة لبورصة بيروت أم تشكل عائقاً أمام تطويرها؟
يعتبر إنشاء منصة إلكترونية للتداول حاجة أساسية للنهوض بالقطاع المالي في لبنان، خاصة أن هذه المنصة للتداول ستجذب العديد من المستثمرين، خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، كما ستجذب أيضاً الشركات التي تعنى باقتصاد المعرفة، وأعتقد أن إنشاء المنصة الإلكترونية سيساعد في تطوير الأعمال، وبالتالي سيعود لبنان إلى لعب الدور الموكل إليه في الشأن المالي العربي وحتى الدولي.

*برأيكم في حال تم تطوير أداء أسواق المال، ما هي الفائدة الاقتصادية التي يمكن أن ينعم بها بلد كلبنان؟
يساهم تطوير أسواق المال في أي بلد في تنمية الاقتصاد بشكل كبير، حيث يمكن جذب المستثمرين من الخارج. في لبنان، حيث ارتفاع نسب البطالة، فإن تطوير مفهوم إدارة أسواق المال، ونشر الوعي لهذا القطاع الهام، يساهم في تشغيل الشباب اللبناني، ويحد من البطالة التي تتفاقم يوماً بعد يوم، بالإضافة إلى ذلك، فإن عودة الحياة إلى بورصة بيروت يساعد في نمو الدخل القومي، بالإضافة إلى جلب الشركات العالمية لإدراج أسهمها في البورصة.

بطاقة: 

غالب محمصاني، مواليد عام 1941، محامٍ، وحائز على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة ليون بفرنسا، وإجازة في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية، وهو رئيس بورصة بيروت بالإنابة.

المساهمون