باتت أسعار الغاز المورّدة من قبل الحكومة المصرية للمصانع عبئاً جديداً تتحمله قطاعات الإنتاج، إذ على الرغم من تراجعها إلى 4.5 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، إلا أنها لا تتجاوز 1.8 دولار عالمياً، ما بدأ يحدّ من وجود المنتجات المصرية في السوق العالمية، خاصة لدى الشركات التي يمثل فيها الغاز 70 في المائة من التكاليف.
ويفسر خبراء في اقتصاديات الطاقة ارتفاع سعر التوريد للمصانع رغم وجود اكتفاء ذاتي حالياً من الغاز، باستيراد الغاز من الاحتلال الإسرائيلي، عبر صفقة غامضة يصل فيها سعر المليون وحدة حرارية فيها إلى 9 دولارات.
يقول الدكتور حسن الشاغل، المختص بشؤون اقتصاديات وأمن الطاقة، إنه على الرغم من أن إنتاج مصر الحالي من الغاز يكفيها ذاتياً، وفي عام 2025 ستصبح مصر من الدول المصدرة للغاز، إلّا أن أسعار الغاز الداخلية أعلى من المتوسط العالمي، مرجعاً السبب الرئيسي إلى الاتفاقية الموقعة مع إسرائيل، إذ تحصل مصر على الغاز بسعر 6.5 دولارات لكل المليون وحدة حرارية، وتصل بنقلها إلى 9 دولارات.
ويضيف في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد" أنه كان الهدف من الصفقة، بحسب الجانب المصري، أن تتحوّل مصر إلى مركز إقليمي لنقل الطاقة، ولكن بحكم أن الاتحاد الاوروبي يستورد غازه بأسعار ما بين 5 إلى 5.5 دولارات، فهو ليس بحاجة إلى الغاز الإسرائيلي، ولأنها اتفاقية ملزمة، اضطرت مصر لضخ الغاز الإسرائيلي نحو السوق المحلية، بتكلفته العالية، وهو ما أدى في النهاية إلى ارتفاع أسعار الغاز المورد للمصانع.
من جهتها، تؤكد خبيرة في اقتصاديات الطاقة، فضّلت عدم ذكر اسمها، أن الحكومة تورد الغاز الطبيعي للشركات بسعر 4.5 دولارات، وعلى افتراض أن مصر تشتري حصة الشريك الأجنبي في شركات التنقيب بـ 4.5 دولارات، وهو ما يمثل 40 في المائة من الإنتاج، فهناك 60 في المائة تحصل عليها الحكومة من دون أية أعباء، وهو ما يعني أن متوسط سعر التكلفة الإجمالي على مصر حوالي 2.3 دولار.
وتشير إلى أن "منتجاتنا تستطيع المنافسة في الأسواق العالمية، إذا تم تخفيض السعر إلى 2.5 دولار، وخاصة أن السعر العالمي للغاز في أوروبا، وأميركا، وشرق المتوسط، يتراوح ما بين 1.5 و1.8 دولار للمليون وحدة حرارية.
وتكشف خبيرة اقتصاديات الطاقة أن هناك شركات كبرى تم السماح لها باستيراد الغاز، ولكن هذه الموافقات صورية فقط، باستثناء الشركة التي تستورد الغاز من إسرائيل، لافتة إلى أن الغاز الأميركي حال استيراده لن يكلف الحكومة المصرية على أقصى تقدير 2.5 دولار لكل مليون وحدة حرارية.
ويُبيّن الدكتور عادل دوبان، خبير دولي في استكشافات الطاقة، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، طريقة التعامل المصري مع شركات التنقيب، إذ يتم تجنيب 40 في المائة من الإنتاج تحت حساب التكاليف الرأسمالية ومصاريف الإنتاج، وإذا كانت حصة الشريك الأجنبي 40 في المائة، تشتري مصر من الـ60 في المائة المتبقية بمتوسط سعري يتراوح ما بين 4.5 إلى 5.8 دولارات لكل ألف قدم مكعب من الغاز.
ويوضح دوبان أن سعر استيراد الغاز من إسرائيل غير معلن، ولكن يرجح أن يكون في حدود 6.5 دولارات، وبعد تكاليف الإسالة والنقل، يصل السعر إلى ما بين 8.5 و9 دولارات. ويتابع: "صحيح أن السعر مرتفع، لكنه مقبول بالنسبة لشحنات الغاز المسال، ولكنه غير اقتصادي بالمرة إذا تم ضخه للسوق المحلية".
ويذكر دوبان بأن حكومات مصرية سابقة باعت الغاز لإسرائيل بسعر 0.75 دولار، في حين كانت أسعار بيعه عبر الأنابيب تساوي 2.5 دولار لكل ألف قدم مكعب من الغاز.
وكانت مصر قد وقّعت عقداً تجارياً مع إسرائيل لاستيراد الغاز الإسرائيلي، تبلغ قيمته 19.5 مليار دولار على مدى 15 عاماً، وهو ما أثار الكثير من الجدل، خاصة بعد إعلان الجانب المصري عن أن إنتاج مصر من الغاز وصل إلى حدّ الاكتفاء الذاتي، الأمر الذي دفع وزارة البترول المصرية إلى إصدار بيان مفاده بأن الغاز الإسرائيلي سيُعاد تصديره بعد تسييله إلى أوروبا، في الوقت الذي أعلنت فيه الخارجية الإسرائيلية أن الغاز المتدفق من حقل ليفياثان سيخصص للاستخدام في السوق المصرية.