قبل نحو أسبوعَين، أُغلقت الدائرة الفرعية للغابات في ساقية سيدي يوسف بولاية الكاف التونسية، احتجاجاً على تعرّض أعوان الغابات إلى اعتداءات.
تغطّي الغابات نحو 35 في المائة من الأراضي التونسية، وهي بالإضافة إلى دورها البيئي الكبير تُعَدّ مورداً اقتصادياً مهماً لسكانها البالغ عددهم نحو 900 ألف وفقاً لبيانات وزارة الفلاحة، أي ما يعادل سبعة في المائة من مجموع سكان البلاد. وقد خُصّص جهاز كامل لحماية تلك المساحات ومراقبتها على مدار 24 ساعة، ابتداءً من يونيو/ حزيران 1883، هو الإدارة العامة للغابات التونسية.
على الرغم من تلك المراقبة، تتعرّض غابات تونس لانتهاكات عدّة، منها السرقات التي تطاول أشجار الفلين والصنوبر إلى جانب الزعتر ونبات الحلفاء (نبات يشبه سعف النخل تُحشى به الفرش وتُصنّع منه الحبال والحصر والقفف وما إليها) الذي يُهرّب عبر الحدود التونسية الجزائرية. وقد أكّدت إدارة الغابات في أكثر من مرّة أنّ ثمّة نقصاً كبيراً في عدد أعوان حماية الثروة الغابية، إذ إنّه لا يكفي لمراقبة وحماية مساحات شاسعة من تلك الغابات الممتدة على الساحل شمالاً، وعلى كامل الشريط الحدودي مع الجزائر من الشمال حتى الجنوب. وكان وزير الفلاحة سمير بالطيب قد صرّح في عام 2017، في خلال لقاء عقدته لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب للتباحث حول موضوع حرّاس الغابات ودورهم الأمني في حماية الجبال التونسية ومكافحة الإرهاب، بأنّ عدد حرّاس الغابات يتراجع سنوياً نظراً إلى وقف الانتدابات في هذا المجال.
هم في حاجة إلى دعم كبير (العربي الجديد) |
وأعوان الغابات في تونس، بحسب وزارة الفلاحة، هم إمّا حرّاس غابات وإمّا حرّاس سباسب الحلفاء وإمّا حرّاس صيد وإمّا حرّاس أبراج مراقبة، إلى جانب حرّاس المراعي وحرّاس المراكز الغابية وحرّاس المنابت وما إليها. ولأنّ النقص يطاول كلّ هذه الأسلاك، فإنّ الأمر يؤثّر سلباً على مردود العمل وعلى حماية الثروات الغابية.
وفي خلال لقاء لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب المشار إليه آنفاً، أكّد بالطيب ضرورة توفير 200 حارس لكلّ هكتار من الغابات، وحارس واحد لكلّ منطقة مرعى، وستّة حرّاس لكلّ برج مراقبة، بالإضافة إلى حارس لكلّ 200 هكتار من سباسب الحلفاء. وأوضح أنّ حاجة الغابات الكلية تصل إلى 13 ألفاً و300 عون حراسة ومراقبة للتمكّن فعلاً من حماية الغابات. ولم يخفِ الوزير في خلال ذلك اللقاء أنّ قطاع الغابات يعاني كذلك من مشكلات هيكلية تتطلب استحداث ديوان للغابات يشرف على تنظيم القطاع في داخل الجهات، إلى جانب وضع مشروع نظام أساسي خاص بحرّاس الغابات بعد موافقة البرلمان.
صيد جائر (العربي الجديد) |
محمد حارس غابات منذ أكثر من 10 أعوام، يقطع يومياً أكثر من أربعة كيلومترات في غابات عين دراهم. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ أعوان الحراسة بمعظمهم يؤدّون مهامهم، خصوصاً في المناطق الخطرة، من دون زيّ رسمي ولا بطاقة مهنية لحمايتهم من الاعتداءات"، مؤكداً أنّ "ثمّة نقصاً كبيراً في عدد حرّاس الغابات، الأمر الذي يصعّب مهمّة مراقبة الغابات التونسية كلها وبالتالي حمايتها من سرقة خشبها بهدف صنع الأثاث أو الفحم، لا سيّما الغابات التي تكثر فيها أشجار الفلين والصنوبر والأوكاليبتوس". ويشير محمد إلى أنّ "الأعوان يتنقلون أحياناً، فرداً فرداً، الأمر الذي يعرّضهم لاعتداءات كثيرة ولخطر هجوم بعض الحيوانات البريّة لا سيّما الخنازير البرية".
ويتحدّث محمد عن "وعود منذ عام 2017 لإعطاء الأولوية في الانتدابات إلى هذا الجهاز الحسّاس، والذي بات يدعم الجهود الأمنية والعسكرية في مقاومة الإرهاب في الجبال الحدودية"، مضيفا أنّ "توقّف الانتدابات أدّى إلى تشيّخ القطاع أي أنّ حرّاس الغابات بمعظمهم باتوا من كبار السنّ. وهؤلاء يجب توجيههم إلى الأعمال المكتبية، لأنّ العمل الميداني يتطلب قدرات جسدية كبيرة".
والنقص في عدد أعوان الغابات أدّى إلى تعرّض بعضهم لاعتداءات من قبل بعض سارقي خشب الأشجار أو الصيادين غير القانونيين. في السياق، يشير مبروك الرقايدي لـ"العربي الجديد" إلى "نقص في التجهيزات الكفيلة بحماية أعوان الحراسة الذين يستخدمون هواتفهم الجوالة في الغالب، في غياب الأجهزة اللاسلكية التي من المفترض أنّ تسهّل مهامهم. كذلك، فإنّ تعطل دراجاتهم، يضطرهم بمعظمهم إلى التنقل لمسافات طويلة سيراً على الأقدام، بالإضافة إلى غياب التكوين (التدريب) المستمر. كلّ ذلك جعل الأعوان يتعرّضون إلى اعتداءات كبيرة، لا سيّما ما حصل أخيراً لأحد أعوان الحراسة في جهة الكاف، فهو تعرّض إلى اعتداءات جسدية من قبل عصابة سرقة خشب الأشجار في خلال تحرير محضر مخالفة لهم".