عين الصين على أفريقيا
كل الثروات الأفريقية، من ذهب وماس ويورانيوم، تذهب إلى أميركا بالمساومة، مقابل ضمان الحكم والحصانة لمن يحتكرها من رأسماليين وديكتاتوريين أفارقة. وفي المقابل، تموت شعوب أفريقيةٌ جوعاً وجهلاً وإهمالاً وفقراً. وهي محشورة، منذ عقود، داخل عجلةٍ للتنمية لا تدور أصلاً، بل تدفعها الطبقات العاملة لتجري بالنخبة إلى فوق، وبين الفينة والأخرى، ترسل أميركا أحد ممثليها الهوليووديين بمساعدات غذائية من قمح وشعير، وبعض الأدوية، لتظهر بمظهر داعمة الإنسانية، وقد لهفت قبل ذلك أرض أفريقيا، بما فيها من ثراء ورخاء من وراء الكواليس.
تزيد السيطرة الأميركية على القارة، بإشعال فتنة التقسيمات الطائفية والمذهبية، واستفزاز المجازر الدموية، ثم التدخل بشرعية دولية، بذريعة فك النزاع، لتبسط قواتها في المنطقة، فتكون بذلك قد ضمنت تبعية دائمة مستمرة من قارتنا السمراء الثرية لحضرتها.
في الآونة الأخيرة، ظهرت الصين في الخارطة الأفريقية بصيغة جديدة ومستفزة لأميركا، إذ إنها لم تُدخل مافياتها لتساوم على الثروات الطبيعية، ولا أدخلت مخابراتها في أنف قادة القارة، لتفرض عليهم التبعية، إنما دخلت مستثمراً رأسمالياً بأوراق مكشوفة، بشكل عبقري ذكي، تتحادث مع القادة وتكشف لهم الخصاص، وتقترح عليهم المشاريع، وتشرع في العمل، أي أنها تحدد الاحتياج وتوجِد الحل.
فالصين خلقت من أفريقيا سوقاً للتنافس، لأجل تنميتها وإعادة بنائها وهيكلتها، من البنية التحتية إلى الطرقات إلى البنايات، حتى إلى المصانع والمعامل والمتاجر والمستشفيات، بعد أن كانت تعاملها أميركا ودول أوروبا القوية مرتعاً للثروات الطبيعية، يدخلونها ويغتصبون أرضها، كما شاؤوا، في صمت مريع للحكام والقادة، ثم يذهبون بها لتقوية بلدانهم ورمي الفضلات والنفايات الكيماوية على وجه إفريقيا.
لم تأت القمم الأفريقية في أميركا إلا كرهاً، خوفاً من القوة الاقتصادية الصينية، التي أظهرت حنكة، اكتسحت عبرها أسواق العالم. فقد نظمت أميركا، قبل أيام، قمة أفريقية من أكبر القمم على الإطلاق، عقدت في أثنائها صفقات مع 45 من القادة الأفارقة. وخصصت 14 مليار دولار للاستثمار في أفريقيا، في محاولة منها لمنافسة الصين. هكذا تتحول أفريقيا، فجأة، من مخزن غربي للموارد الطبيعية إلى سوق للاستثمار والتنمية.
لكن، نتمنى من القادة الأفارقة ألا يبيعوا الاستثمارات بثمن بخس، وأن يضعوا شروطاً تضمن حقوقاً لليد العاملة الأفريقية، وضريبة تعود بالنفع على الفقراء وأهل البلاد، وتضمن ملكية أفريقية دائمة للأرض. مهما استثمروا فيها لا يجب أن يتملكوها أبداً. ... والفرصة لا تأتي إلا مرة واحدة!