يشهد وادي حضرموت شرقي اليمن تصعيداً أمنياً غير مسبوق، وسط توقعات بنقل تجربة "قوات النخبة" الحضرمية التي تشرف عليها دولة الإمارات إلى الوادي. ووادي حضرموت المكون من 18 مديرية هو المنطقة الوحيدة في جنوب اليمن التي لا تزال خارج سيطرة النفوذ الإماراتي، وتتولى حمايته قوات المنطقة العسكرية الأولى التي ينتمي أفرادها لمختلف محافظات الجمهورية اليمنية. وخلال الأيام الماضية شهد وادي حضرموت سلسلة أحداث أمنية يبدو أنها تهيئ لمرحلة جديدة، يتغير معها نفوذ السيطرة، مع ارتفاع وتيرة الاغتيالات والخطف وعمليات السطو التي تتابعت بطريقة تطرح علامات استفهام حول خلفياتها وأهدافها والجهات التي تقف خلفها.
وكان مسلحون مجهولون قد قاموا بالسطو على مصرف تابع لشركة "الكريمي" بمدينة تريم في 28 أغسطس/آب الماضي ونهبوا مبالغ تصل إلى عشرات الملايين، وذلك بعد أيام من حادثة مماثلة استهدفت مصرف "العمقي" بمديرية سيئون. وتزامنت هذه الأحداث مع مطالبات سياسيين وناشطين بتسليم وادي حضرموت إلى قوات "النخبة الحضرمية"، في ظل حالة التسيب والانهيار التي يعانيها جهاز الشرطة بوادي حضرموت.
وفيما أتاحت ظروف الحرب في عدن، وسيطرة "القاعدة" على المكلا وبعض مناطق محافظة شبوة، انتشار قوات تشرف عليها الإمارات، لم تجد أبوظبي مبرراً للتدخل في وادي حضرموت، خصوصاً أن الحرب الدائرة في اليمن لم تقترب منه، وبقي أيضاً بعيداً عن نفوذ تنظيم "القاعدة" بعد سيطرته على مدينة المكلا في إبريل/نيسان 2015. لكن الأحداث الأمنية الأخيرة قد تسرع بنقل تجربة "قوات النخبة" إلى وادي حضرموت، لا سيما أن محافظ حضرموت، اللواء ركن فرج البحسني، كان قد أعلن في مقابلة تلفزيونية قبل أيام، أن السلطات المحلية في طريقها لهذا التوجه. وبدا واضحاً أن أطرافاً في الحكومة و"التحالف العربي" تعمدت إبقاء مشكلة الانفلات الأمني بوادي حضرموت لخلق واقع جديد يتم التحضير له، وهو ما أكده شيخ مشايخ آل كثير الشيخ عبدالله الكثيري، في اللقاء الموسع في سيئون، عندما قال "طرقنا أبواب الحكومة الشرعية وأخوتنا في التحالف والسلطة بالمحافظة ولم نحصل منهم سوى على الوعود ولو تم تنفيذ جزء من الوعود لكانت حضرموت بخير"، وفق تعبيره.
ويرى مراقبون أن الإمارات قد تستفيد من هذه الأحداث مثلما حصل في محافظة شبوة. فبعد أيام من انتشار أفراد من تنظيم "القاعدة" في بعض المناطق، سيطرت "قوات النخبة الشبوانية" على بعض المناطق بما فيها ميناء بلحف الاستراتيجي لتصدير الغاز، وهو الأمر الذي قد يتكرر في وادي حضرموت وفقاً لمراقبين.
وبعد أشهر من الانفلات الأمني، دعا "حلف حضرموت" (تجمع قبلي) إلى عقد اجتماع موسع لقبائل حضرموت والوجهاء والأعيان يوم السبت، بمنطقة تاربة في سيئون، لبحث حادثة اختطاف المسؤول المالي لـ"دار المصطفى" بمدينة تريم التابع لصوفيين في حضرموت، ومناقشة الاختلالات في وادي حضرموت عموماً. وتضمن البيان الختامي للقاء مناشدة "التحالف العربي" لحل مشكلة الانفلات الأمني بوادي حضرموت وكشف ومتابعة كل ما يجري من قتل واختطاف. وطالب البيان بتسليح وتجهيز وبانتشار قوة "الأمن العام" التي كان قد جرى تدريبها بإشراف "التحالف العربي" قبل أشهر، وتدريب الأعداد المقررة لتعزيز القوة الأمنية بالوادي. وهدد الحلف بأن أبناء حضرموت لن يقبلوا بالتهاون والتسويف في أمنهم، الأمر الذي يؤكد أن هناك توجهاً لتسليم الملف الأمني في وادي حضرموت إلى قوات جديدة تعمل بإشراف "التحالف".
وفي هذا الإطار، يبقى التساؤل الأهم يتمثل في معرفة ما إذا كانت السعودية ستسلّم ملف أمن وادي حضرموت الذي ترتبط به جغرافياً، للإمارات أم أنها ستمسك هي بزمام الأمور، لا سيما بعد بدئها بتدريب دفعة تقدر بـ1000 مجند قبل أسابيع في مقر المنطقة العسكرية الأولى في سيئون؟
وفي حين يأمل البعض قيام "حلف حضرموت" بدور جاد لحفظ الأمن بوادي حضرموت، يقلل آخرون من قدرته على تحقيق هذه المهمة، في ظل المشكلات الداخلية التي يعانيها، فضلاً عن تعيين رئيسه الشيخ عمرو بن حبريش العليي، وكيلاً أولاً بمحافظة حضرموت. وهذا الأمر أدى إلى تردد الرجل بين منصب رسمي وآخر قبلي، ما تسبب في تراجع دور الحلف الذي كان من المفترض أن يقوم بدور المراقب لعمل السلطات المحلية.
و"حلف حضرموت" هو كيان قبلي من عدة قبائل، كان قد تأسس إبان مقتل زعيم قبيلة الحموم، الشيخ سعد بن حبريش، في ديسمبر/كانون الأول 2013، تحت مسمى "حلف قبائل حضرموت"، قبل أن يغيّر اسمه ليصبح "حلف حضرموت"، أملاً في تمثيل جميع أبناء المحافظة، لكن كيانه لا يزال مقتصراً على زعماء القبائل فقط.