اضطر المواطنون في المغرب إلى التخلي عن عادات وتقاليد متوارثة للاحتفال بعيد الفطر المبارك، بسبب انتشار فيروس كورونا، ووجدوا أنفسهم مجبرين على صلاة العيد في البيوت، والتوقف عن اللمة العائلية، والحد من التنقلات في عيد يبدو هذه السنة استثنائياً بكل المقاييس.
اعتاد المغاربة في السنوات السابقة الإقبال الكثيف على الأسواق خلال الأسبوع الأخير من شهر رمضان من أجل التبضّع لإعداد حلويات العيد، واقتناء الملابس التقليدية، وملابس الأطفال، فيما بدا لافتاً هذه السنة أنّ تدابير الطوارئ الصحية المفروضة منذ 20 مارس/ آذار الماضي، أثّرت سلباً بالوضع العام بسبب إغلاق المحالّ التجارية.
وبدا سوق "السباط"، القلب التجاري للمدينة العتيقة في سلا، شبه خاوٍ تماماً، خلال جولة لـ"العربي الجديد"، مساء السبت، وهو الذي كان يعجّ سنوياً بالحركة في الأيام التي تسبق عيد الفطر. ويقول الحاج محمد، بائع اللباس التقليدي في السوق، لـ"العربي الجديد": "الظروف الاستثنائية التي فرضتها أزمة كورونا أفقدت المواطنين الرغبة في التسوّق استعداداً للمناسبة، وباتت تهددنا بالإفلاس، بعد أن تقلصت مداخيلنا كثيراً من جراء قرار إغلاق جميع المحال، بما فيها تلك المخصصة لبيع اللباس التقليدي والملابس الجاهزة".
وأعلنت السلطات المغربية، الاثنين الماضي، تمديد حالة الطوارئ الصحية، وتقييد الحركة في البلاد حتى 10 يونيو/ حزيران المقبل، ضمن تدابير السيطرة على فيروس كورونا، مع إجراءات تخفيف أبرزها السماح للمقاولات بالعودة إلى العمل بعد عيد الفطر.
وكما كان لرمضان المغرب ملامح مختلفة في زمن كورونا، فإن العيد هذه السنة له طعم وهوية مختلفين تماماً، إذ غابت صلاة العيد في المصليات والمساجد وساحاتها الخارجية، وما يرافق ذلك من أجواء روحية مفعمة بمعاني التلاحم والتضامن، ما ترك أثراً كبيراً في نفسية كثيرين.
يقول أحمد الفيلالي، وهو أحد المتطوعين الذين دأبوا على استقبال المصلين في مسجد الخليل بحيّ اشماعو في مدينة سلا: "يحزّ في النفس أننا سنضطر إلى الاستغناء عن تفاصيل كثيرة يتميّز بها الاحتفال بالأعياد الدينية، وخاصة صلاة العيد التي فضلاً عن كونها عبادة، هي أيضاً مناسبة للقاء الجيران والأصدقاء وعموم الناس، وتمتين العلاقات الاجتماعية"، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "الجائحة حرمتنا الأجر والثواب، لكن الحفاظ على سلامة المواطنين يبقى مقدماً على كل شيء".
وأفتى المجلس العلمي الأعلى، وهو مؤسسة الإفتاء الحكومية، الأربعاء الماضي، بأن صلاة عيد الفطر لهذه السنة ستُصلى في المنازل، مع الأخذ بسنّة الاغتسال والتطيب والتكبير قبل الشروع فيها، وذلك بالنظر للظروف الراهنة التي يجتازها المغرب وغيره من الدول جراء تفشي الوباء.
ولعيد الفطر، الذي درج المغاربة على تسميته "العيد الصغير"، طابع خاص في المملكة، ففضلاً عن عادات وتقاليد اجتماعية ودينية، فإنه يُعَدّ فرصة لصلة الرحم، وتحقيق اللمة العائلية التي تعتبر من موروثات العيد لمن استطاع إليها سبيلاً، إذ يشدّ الآلاف الرحال داخل البلاد، ومن بلاد المهجر، ليستمتعوا بلقاء الأهل والأحباب في العيد.
وفي ظلّ الظروف الاستثنائية الحالية يجد المغاربة أنفسهم مضطرين إلى ملازمة بيوتهم، والاكتفاء بالتواصل عبر الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي. يقول صلاح ددى، أستاذ التربية الإسلامية: "الفرحة لا تكتمل إلا مع الأحباب، والعيد هو الجماعة، ودونها يصبح بلا طعم، خاصة بالنسبة إلى العائلات التي اعتادت الاجتماع عند كبير العائلة لتناول وجبة الغداء، قبل زيارة بقية الأقارب".
ويستدرك: "كم هي جميلة عاداتنا وتقاليدنا في أيام الأعياد، لكن في ظل الوضع الحالي نحمد الله على أن التقنيات الجديدة للتواصل تتيح إمكانية ذلك من أي مكان في العالم. على الأقل سنتجاوز الأثر السلبي لمنع تقاليد التزاور للمعايدة، وبقائنا في المنازل، وتوظيف تلك التقنيات كبديل سيمكننا من تلافي المزيد من الإصابات، ويدعم جهود السلطات لمواجهة فيروس كورونا".