عيد الفصح: بهجة وجمعة عائلية وألوان ربيعيّة

05 ابريل 2015
تلوين بيض العيد (Getty)
+ الخط -
دخل المسيح إلى القدس يوم أحد الشعانين وحمل الناس أغصان النخيل ملوحين بها ترحيباً به، لتبدأ بعدها "الجمعة العظيمة" أو كما يُعرف بأسبوع الآلام. خميس العهد، هو اليوم الذي ودّع فيه المسيح تلامذته وسلّمهم وصاياه.

يوم الجمعة، هو "درب الجلجلة"، يوم تعذيب يسوع المسيح وصلبه ودفنه. يوم حزين يعيشه المسيحيون. ويوم السبت يسمّى "سبت النور" إذ يفيض النور من قبر المسيح. يوم الأحد (الفصح)، وهو يوم قيامته من القبر، فاحتفل المسيحيّون تعبيراً عن فرحهم وايمانهم بصعود المسيح إلى السماء.

يترافق ذلك مع إجازة يحضر فيها مواطنو تلك الدول أوقاتهم لزيارات عائلية وتناول غداء الفصح معاً. اللون الأصفر والطاغي لم يرتبط تاريخياً بالفصح، إنّما ارتبط بنظرية الخصوبة وخصوصاً عودة الدجاج لوضع البيض وتفقيس الفراخ وتكاثر أرنب الفصح في الأساطير الشعبية.

الزينة بألوان زاهية تطبع أجواء المتاجر والبيوت بما تحمله من رمزية للفصح، فالبيض بألوانه المختلفة ومفارش طاولات السفرة والمحارم بألوان الربيع هي عادات موغلة في القدم، تكثر العادات وتتعدد الألعاب التي غالباً ما ينتظرها الصغار صبيحة عيد الفصح.

بيض الفصح في دول الشمال الاسكندنافي انتقل إليهم عبر ألمانيا في القرن الخامس عشر، للدّلالة على بداية موسم جديد. يربط هؤلاء بيض الفصح ببداية فصل الربيع حيث يضع الدجاج المزيد من البيض بعد فترة شتاء طويل.

في قديم الزمان كان البيض يعتبر من الكماليات في تلك المجتمعات، بل إن بعض الاقطاعيين كانوا يدفعون أجور الفلاحين بالبيض كمادة غذائية رئيسية. بينما كان القساوسة هم الأوفر حظاً في تلقي الكثير من البيض في ذلك الزمن، وكان الشعب يطلق على أبناء القساوسة: هؤلاء ولدوا والذهب في أفواههم. لما كان يقدر البيض من قيمة عند الشعب.

ما تزال عادة تلوين البيض مستمرة حتى يومنا، فتعج المتاجر الخاصة ببيض طبيعي وغيره من الصناعي واليدوي بأسعار باهظة، بينما يقدم للأطفال بيض فصح مصنوع من الشكولاتة.
أرنب الفصح يرتبط أيضاً بقصص شعبية عن أنه يأتي بالبيض للأطفال، ومنذ عام 1600 ارتبط الأرنب بالفصح في لعبة انتقلت من ألمانيا تسمى لعبة "البحث عن الكنز". تلك لعبة يمارسها شعب دول الشمال الاسكندنافي في الفصح متنقلين في الغابات القريبة من سكنهم مع العائلة والجيران لإمتاع الأطفال بالبحث عن الكنز الذي عادة ما يحتوي على بيض وشوكولاتة لهم مربوطة بما يضعه الأرنب هناك.

وفي دول الشمال يرتبط لحم الضأن بالفصح ارتباطاً وثيقاً لا يمكن أن يمر بدونه. والحمل مرتبط بعديد القصص لكن أهمها تبني المسيحية في الغرب لقصة الفصح اليهودي والتي تقول بأن النبي موسى طلب من اليهود في مصر دهن دم الخراف على أبواب بيوتهم حتى ينجوا من عقاب الله المنزل ضد مصر. لكن الحمل أيضاً ارتبط لاحقاً بالكنيسة التي رأت فيه رمزية للمسيح الذي ضحى بنفسه لأجل الإنسان.

تتفاوت عملية تناول لحم الضأن بين بلد وآخر في دول الشمال الأوروبي، لكنها تجمع على قصة ارتباطه بالفصح. أما المهتمون بتطور التاريخ الإنساني فيربطون تناوله في هذا الفصل من السنة إيذاناً بتناوله بعد أشهر عدة من تكاثرها.

في السويد مثلاً لا تغلق المحلات التجارية يومي خميس العهد والجمعة السابقين ليوم الفصح، حيث يعتبران مقدسين في الدنمارك، وفيها تقام مباريات ومهرجان البيض للأطفال وتبادل الهدايا والحلويات. لكن المشتركات كثيرة بين الدول الاسكندنافية من حيث البهجة والمتعة التي تجمع العوائل وتسعد الأطفال بتلوين البيض وارتداء ملابس تشبه البيض الملون حيث يقوم هؤلاء الأطفال بتوزيع بطاقات المعايدة ورسومات متعلقة بالفصح على الجيران وهؤلاء في المقابل يقدمون الهدايا للأطفال.

وتجري مسابقة العثور على أكبر بيضة مخبأة في أحد المحال التجارية ليحصل مكتشفها على قسيمة شراء موجودة داخل البيضة كهدية كما تفعل بعض المحال في جنوب السويد بمدينة مالمو. كما أن السويد، وعلى عكس جاراتها الشمالية، تقام فيها، وخصوصاً في كارلسهامن بمنطقة بليكنغ، مواكب عيد الفصح يوم السبت حيث يتحول الموكب لما يشبه الكرنفال الاحتفالي بلباس تقليدي. طاولات طعام السويديين في الفصح تكون عامرة بالبيض ولحم الضأن وسمك السردين وحلويات اللوز كما تقدم المطاعم والفنادق غداء الفصح على قوائمها.

عموماً يبدو فصح السويد أكثر بهجة وصخباً من فصح جاراتها، كالدنمارك، ولهذا تجد السويديين ومن يسافرون إليهم من جيرانهم يعايشون الفصح كإجازة مرح حيث يرتبط بقدوم فصل الربيع وألوانه الزاهية وزيارة محميات الحيوانات في الغابات مع الأطفال.

فصح النرويج يربطه شعبها بتقاليد سابقة للمسيحية، فالبيض عندهم مرتبط بالعصور القديمة، مثلما كان عليه عند جاراتها، بانبعاث الحياة من جديد بعد تغير الفصول في 21 مارس/آذار حيث تبدأ الدجاجات بوضع بيضها مجدداً بعد شتاء معتم وكئيب. وربط النرويجيون بعد تبنيهم المسيحية بين البيض وتجدد الحياة من خلال رمزية قيامة المسيح مجدداً وكتعبير عن الخصوبة في الميثولوجيا الشعبية. يوم خميس العهد يمنع استخدام الفؤوس اعتقاداً بأنه اليوم الذي جرى فيه تخشيب الصليب.

في العموم تعتبر تقاليد عيد الفصح في دول أوروبا الشمالية متقاربة مع اختلافات بسيطة، ففي معظمها توافق على أن أرنب الفصح يعبر عن الإخصاب وبذات الوقت هو من يأتي بالبيض للأطفال ويضعها عند الأبواب. وهو البيض الذي لا يحب الهولنديون أن يكون مصنوعاً من الشوكولاتة. وفي ألمانيا يتناولون البيض المسلوق والملون باللون الأخضر يوم الخميس.

قبل تحول العديد من الدول، كالنرويج، نحو البروتستانتية كان كاثوليك تلك الدول يبدؤون الفصح بأربعين يوم صيام قبل موعده كرمزية لأربعين يوماً قضاها المسيح مع تلاميذه بعد أن خرج من القبر. ورغم التحول إلى الكاثوليكية ما يزال البعض يمارس تلك الطقوس المترافقة مع قراءة الإنجيل قبل موعد الفصح.
دلالات
المساهمون