عيد الغريب

06 يوليو 2016
+ الخط -
بلا أعمام، ولا أخوال، ولا أجداد، ولا أي أقرباء، وجدت نفسي في الأردن، بعد هجرة والدي إليها من البوسنة في الثمانينات، وهكذا كان العيد من أشد الأيام صعوبة عليّ.
تتعالى أصوات التكبيرات في الخارج، وتبدأ ضجة العيد من أصوات مسدسات اللعب الصاخبة، وأصوات الناس على أبواب بيوتهم، يرحبون ببعضهم، ويكرّرون جمل المعايدة المألوفة، وصوت الأم تنادي طفلها، ليسلم على خاله الذي سيغادر بعد قليل.
أتابع الأصوات كلها من وراء باب بيتنا المغلق على يقين أنه لن يفتح اليوم للخروج، وإلى أين سنذهب مثلا؟ ليس لنا هنا، حتى قبر، لأحد الأقرباء نزوره، ونترحم عليه. وبالطبع، لن يفتح هذا الباب لأحد قادم ليعيّد علينا.
أما اللحظة الأدهى فكانت حين يبدأ دوام المدرسة بعد عطلة العيد، تبدأ بنات صفي برواية أحداث العطلة المشوقة، كل واحدة تخبر أين ذهبت، ومن رأت، وماذا اشترت. وفي السياق، لا بد أن تندرج العيدية، ويبدأ استعراض علني و"مزاودة" في قيمة الغلة التي كسبتها كل واحدة : "عمي من السعودية عيدني 20 ليرة "، تقول واحدة، "طيب أنا جمعت في العيد 55 دينار"، ترد عليها أخرى، وتهتف ثالثة كانت تسمع الحوار: "أنا 70 لأن أخوتي الكبار صاروا هالسنة يعيدوني 10 ليرات بدل 5"، وأصمت هنا محاولة ألا أثير اهتمام أحد ليسألني .
أترحم الآن، وأنا أذكر تلك الأيام على جارتنا صاحبة بيتنا الأول التي كنا، لأعيادٍ متتالية، نصبّح عليها بعد عودتنا من صلاة العيد، فتبادرنا بدعوة لطعام الإفطار معها، ويكون هذا أجمل طقس نعيشه وقتها، لأنا كنا نلتقي بأحفادها الكثيرين، في أثناء نزولهم لاستعراض الملابس الجديدة، والسلام عليها ونيل نصيبهم من العيدية، فتناولهم، بعد أن يقبّلوا كفها، عيديتهم مضمومة في اليد، حتى لا يعرف أحد مقدارها، ولا يطيب لها إلا أن تعيدنا مثلهم، فنفرح، أنا وإخوتي، وكانت العيدية من يدها أول عيدية أتلقاها في حياتي .
وجارتنا صاحبة بيتنا الثاني، أمد الله في عمرها، كانت تصر على أن نتناول من كعكات العيد التي صنعتها "وتقسم" بنفسها، ولا تهدأ، حتى تتأكد أن كل أخوتي أخذوا نصيبهم، وعبأوا جيوبهم من الملبس والشوكولاتة .
توضح هذه المواقف كم يحدث سلوك الجيران والمحيطين من فرق للبعيد عن وطنه، وكم تعني لفتة الاهتمام في العيد لمن لا يجد سلوى عن افتقاد الأحبة بسبب الاغتراب.
وكبرت وازداد اندماجي في مجتمع الأردن، لأكتشف أن الغرباء تضاعفوا، بعد ما جرى في العراق وسورية، وأن معاناة الطفولة في العيد صار يعانيها كثيرون، وأن مباهج الفرح والمشاركة بين الناس التي كنت أتوق للحصول على بعض منها مجرد مظاهر في أحيانٍ كثيرة، حتى أن هناك من يمضي للزيارات، ويعايد الأسرة، ويوزع ابتسامات، لكن "الغربة" مستحوذة عليه تماما.
67B42355-D1FA-40DB-B858-A9CFB2846052
67B42355-D1FA-40DB-B858-A9CFB2846052
مريم تولتش (البوسنة)
مريم تولتش (البوسنة)