منذ عام 2007 وأبو بسام، لا يتخذ وجهة في العيد سوى المقبرة. ما عادت له أسرة يحتفل معها بالعيد ويخرج برفقتها في النزهات، كما كان يفعل قبل هذا العام، بعد أن فقدها كلّها. باتت المقبرة تمثل له تاريخاً لا ينفصل عن حياته ولا يغيب عن ذاكرته.
يقول أبو بسام: إن عائلته أولى بزيارته في العيد، لذلك يذهب إلى القبور كي يزورها، ويغسل شواهدها ويستذكر الأحاديث والقصص، لأنه يشعر بوجود أفراد أسرته من حوله حين يكون قرب قبورهم.
يروي أبو بسام أن سبب مقتل عائلته، هو العنف الطائفي الذي وقع بين أعوام 2006 و2009، لافتاً إلى أن مجموعة مسلحة اعترضت طريق عائلته أثناء ذهابها إلى السوق لشراء تجهيزات عيد الأضحى، فأطلقت النار عليهم ليفارقوا الحياة على الفور.
كان ولده البكر، بسام، ابن الثامنة عشرة يقود السيارة حين هاجمهم المسلحون، وكانت والدته تجلس الى جانبه وهي تحتضن شهد، أصغر أفراد العائلة، وعمرها آنذاك ثمانية أشهر، وفي الخلف كان يجلس أحمد ( 15 عاماً) وربى ( 10 أعوام).
يقول أبو بسام لـ"العربي الجديد": لي طقوس أعيشها وسط أسرتي في المقبرة، تبدأ بتنظيف المكان وغسل الشواهد والسلام عليهم وقراءة الفاتحة وآيات من القرآن.
يضيف مستحضراً هذه التفاصيل: أول قبر أجلس قبالته قبر صغيرتي شهد، أغني لها أغنيات الأطفال كما كنت أفعل حين كنت ألاطفها. ثم أتجه نحو ربى، وأمسح على شاهد قبرها بيدي وأتذكر حين كنت أمسّد شعرها الناعم، وأنا أحكي لها القصص التي تحبها. ثم أقبل نحو أحمد، أحدثه عن كرة القدم فقد كان لاعباً ماهراً ويحبّها بشغف. بعدها أجلس عند قرة عيني بسام الذي أسرّ لي قبل موته بنيّته الارتباط بفتاة يحبها. وآخر المطاف، شريكة عمري، التي تحملت الكثير من المشقة وهي تشاركني بناء أسرتنا.
وجع أبو بسام الذي فقد أفراد عائلته كلهم، لا يقل عنه وجع هناء السعدي "أمّ الدكتور" التي فقدت ابنها الوحيد، الذي كان عائلتها ودنياها. تقول إنه لا أحد يستحق زيارتها في العيد سوى "الدكتور"، فهي تتصل باستمرار بعامل في المقبرة كي يتولّى رعاية قبر ولدها وري المزروعات التي تحيط به. وبرغم زيارتها الأسبوعية له، فالعيد عند قبر ولدها له وقع خاص بالنسبة لها. تقول: إنه ولدي الوحيد. كنت أحلم أن يكون طبيباً وحقق رغبتي، وعندما بدأ في دراسة الطب قتله المجرمون في عامه الدراسي الثالث.
تضيف السعدي، أن مجموعة مسلحة اختطفت ولدها أثناء عودته من كلّيته واتصلوا بها يطلبون فدية مالية لقاء إطلاق سراحه، وبالفعل دفعت عشرة آلاف دولار مقابل الإفراج عنه. لكنها تسلّمت جثة ولدها من دائرة الطب الشرعي بعد دفع المبلغ. تتذكر: كان ذلك في عام 2008. كنت أتوسلهم أن يبقوا عليه حيّاً، لكنهم قتلوه ورموه بين النفايات لتعثر عليه الشرطة وتسلمه الى الطب الشرعي.
من جهته، يرى نذير صالح في خروجه أيام العيد إلى مكان للترفيه بلا صحبة توأمه بشير انتهاكاً لاتفاقهما. يقول: تعاهدنا أنا وشقيقي منذ كنا صغيرين ألا يخرج أحدنا في نزهة إلا بصحبة الآخر.
خلال نزهة الشقيقين قبل عامين انفجرت سيارة مفخخة بالقرب منهما أصيبا نتيجتها بجروح. توفي بشيرمتأثراً بجراحه، فكان على نذير الإبقاء على ذكرى شقيقه والوعد الذي قطعه له. يقول: لا أنفك أزور شقيقي. أحرص على أن يكون قبره أول ما أزوره خلال العيد.
يؤكد علي المعموري الذي يعمل بناء قبور في "مقبرة الرصافة" أن "زيارة المقبرة في العيد ليس تقليداً جديداً عند العراقيين، لكنه تنامى بشكل لا يوصف في الأعوام الخمسة الأخيرة".
ويشير إلى أن طقوس العراقيين في العيد تغيرت خلال الأعوام الأخيرة، لافتاً إلى أن السبب بحسب رأيه يعود لارتفاع حالات القتل. يتابع: قبل عام 2003 كانت أغلب حالات الوفاة لكبار السن أو المرضى أو لحوادث سير، لكن بعد هذا التاريخ فإن أسباب الوفاة هي نتيجة تفجيرات إرهابية أو اقتتال طائفي أو قتل مليشيات أو مسلحين.
يؤكد المعموري، أن عوائل بأكملها دفنت في هذه المقبرة نتيجة الأحداث الطائفية "لذلك تجد الناس يتركون كل شيء في العيد ويقبلون على المقابر".