يمر بائع الورد بالقرب من مخيم اللاجئين السوريين في بلدة العبدة، شمالي لبنان، فتتعلق عيون الصغار به من دون أن يعرفوا سبب مروره بكثرة بالقرب منهم خلال هذه الفترة.
بالنسبة للاجئين، لا شيء يضاف إلى يوميات حياتهم الروتينية؛ فـ"عيد الأم" الذي تحتفل به دول العالم في الـ 21 من شهر مارس/ آذار من كل عام، حُذف من روزنامة حياة معظمهم، لاسيما الأمهات اللواتي خسرن أحباء لهن في الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من 4 سنوات.
العيد في أوساط النازحين كئيب، لا بالونات هوائية أو ورود، ولا حتى قوالب حلوى.. "صاحبات العيد" يجلسن في خيمهن حائرات، وعيونهن تغرورق بدموع حارقة.
"وجه الحسين" (40 عاماً) تفكر بوالدتها العالقة في سورية، تختلط داخلها أوجاع كثيرة، فتفيض بالبكاء.
تشيح وجهها عن صغارها، ولا تنفك تردد: "أمنيتي في عيد الأم أن نعود إلى سورية. لا أريد سوى أن أرى أمي وإخوتي الذين مر على وداعي لهم نحو 5 سنوات".
تضيف: "الأيام العادية صعبة بالنسبة لنا، فكيف يكون حالنا في العيد؟ يمر علينا عام بعد آخر بمزيد من الحسرة والتعب. ليت باستطاعة أهلي أن يتصلوا بي، وأن أسمع صوت والدتي الحنون، حلم من شأنه أن يساعدني على التعلق بالأمل والحياة من جديد".
لا تختلف حال "رسميا شهال" (42 عاماً) ابنة ريف حلب، شمالي سورية، عن صديقاتها.
تقول "رسميا" والحزن يعتصر قلبها: "أصعب عيد يمر علي في حياتي. لم أكن أتوقع أن يمر علي عيد بعدما خسرت أمي وزوجي. لا أعياد من بعدهما. قد أعتبر العودة إلى سورية، إن تحققت، عيداً سعيداً جداً".
وتضيف: "منذ ثلاث سنوات استشهد زوجي في أحداث (جرت بـ) حلب أثناء اشتباكات مع كتائب الأسد. بعدها بنحو 4 أشهر توفيت أمي في انفجار وقع بالقرب من منزلنا. خسارتهما شكلت صدمة حقيقية لي، ولا أعرف ما هي الكلمات الحقيقية التي يمكنني أن أصف بها
مشاعري في هذا اليوم. أشعر بفراغ بالغ من بعد أمي. كنت أراها يومياً، وبشكل دوري، إلى أن جاء يوم وفقدتها فجأة وإلى الأبد. الفراغ يتغلغل داخلي ويقتلني رويداً رويداً. ليس بيدي حيلة لأنسى مصابي الأليم، سوى أن أهتم بصغاري. فأنا أسعى إلى ألّا يشعروا بأي نقص أو حاجة أو فارق في حياتهم بعد رحيل والدهم".
"ملك" (30 عاماً) لا يختلف وضعها كثيراً عن سابقتها.
المرأة التي فرّت من القصف العشوائي في ريف القصير غربي سورية، عادت إلى شريط ذكرياتها. عادت إلى "الأيام الخوالي" كما يحلو لها أن تقول. تذكرت والدها وأمها وإخوتها. تذكرت اللحظات التي لا تثمن وسط أجواء حميمة في بيت العائلة.
قالت: "في مثل هذا اليوم قبل سنوات عديدة، كنا نلتقي في منزل والدتي. أنا وإخوتي الخمسة، وأقاربنا. نتوزع حول طاولة واحدة، عليها ما طاب من المأكولات. ثم نقطع قالب الحلوى، الذي لطالما حمل اسم أمي مع أطيب التمنيات لها. الآن تبدل كل شيء. أضحت تلك اللحظات مجرد ذكريات عابرة، كل الأمل والرجاء بأن تعود".
وتابعت: "استشهد والدي في الحرب. وفرت أمي واثنان من أشقائي إلى مخميات (بلدة) عرسال (اللبنانية الحدودية). بينما بقيت أنا واثنان آخران من أخوتي في مخيم العبدة.
وعلى الرغم من وجودنا على أرض وطن واحد، إلا أنني لا أستطيع رؤيتهم. ولا حتى بمقدوري أن أعايد أمي وأرتمي في أحضانها باكية".
أما الأطفال فقد نسوا الأشهر وتواريخها، لا يذكرون سوى أنهم عالقون في "وطن النزوح" إلى أجل غير مسمى.
وعندما علم عبد الهادي (14 عاماً) من مراسل وكالة أنباء "الأناضول" بأن اليوم يصادف عيد الأم، همّ نحو والدته معايداً، سائلاً عن المكان الذي يمكن أن يشتري منه ورقة وقلماً.
أراد الصغير رسم قلب فيه اسم أمّه، قائلاً: "أتمنى لو أستطيع أن أشتري لها كل ورود العالم، لكنني لا أملك المال. عندما كنت في سورية كنت أحتفل بعيد الأم في مدرسة القرية. في سورية كل شيء جميل، كنا نحتفل بكل الأعياد. أما في لبنان فلا نعلم كيف ومتى يبدأ العيد؟ ولا كيف ينتهي؟".
اقرأ أيضاً:
سأظلّ أشمّ رائحته
نساء سورية.. أمهات ثكالى وأرامل ومعتقلات
"رايتس ووتش": نساء سورية ضحية انتهاكات النظام و"داعش"