عودة لسيناريو 2018 في العراق: رئيس الوزراء توافقي

26 ديسمبر 2019
يتحضر الحراك لتصعيد جديد (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -
خرج المرشح لرئاسة الحكومة العراقية قصي السهيل، والذي كان إلى الآن المرشح الأقوى من بين الأسماء التي طرحت لخلافة عادل عبد المهدي، رسمياً، أمس الأربعاء، معلناً اعتذاره عن قبول تكليف محتمل، بعدما لاقى ترشيحه اعتراضات سياسية وشعبية واسعة، فشلت معها كل جهود القوى العراقية المحسوبة على إيران، والتي طرحت اسمه، والمباحثات التي قادها قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني ومسؤول الملف العراقي في "حزب الله" اللبناني محمد كوثراني في بغداد، في تمرير ترشحيه. وبخروج السهيل، دخلت أسماءٌ جديدة إلى بورصة المرشحين للمنصب، وسط تسريبات حصلت عليها "العربي الجديد"، تؤكد حصول اتفاقٍ مبدئي بين تحالفي "الفتح" (بزعامة هادي العامري) و"سائرون" (بزعامة مقتدى الصدر)، ينصّ على أن أي رئيس وزراء يجب أن يكون توافقياً، على غرار آلية اختيار رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، في سبتمبر/ أيلول من العام الماضي.
يأتي ذلك مع عودة التصعيد الشعبي مجدداً جنوبي العراق، بعد حرق متظاهرين مكاتب حزبية ومقراتٍ لفصائل مسلحة في الديوانية، إثر وفاة الناشط في التظاهرات ثائر الطيب، متأثراً بجروح أصيب بها خلال محاولة اغتيال تعرض لها قبل أيام، مع عودة نشاط ملحوظ لاستهداف الناشطين في بغداد، حيث تعرض أعضاء فريق برنامج "ولاية بطيخ" الكوميدي، المعروف بانتقاده الشخصيات السياسية العراقية، ووقوفه إلى جانب المتظاهرين، لهجوم مسلح وسط العاصمة، نجا منه اثنان منهم بأعجوبة، واتهم مقدم البرنامج، الإعلامي والناشط علي فاضل، "المليشيات"، بالوقوف وراءه.

المشاورات السياسية
 
وبعدما عادت المباحثات لتسمية رئيس للحكومة إلى نقطة الصفر، كشف قيادي في تحالف "الفتح" أن تفاهماً جرى بين زعيم التحالف، هادي العامري، وزعيم "التيار الصدري"، مقتدى الصدر، بأن يأتي اختيار رئيس الحكومة المقبلة بالتوافق، أي بطريقة لا غالب ولا مغلوب في الأصوات البرلمانية، مؤكداً أن هناك أسماء عدة مطروحة اليوم، منها اسم محافظ البصرة الحالي أسعد العيداني (طرح اسمه سابقاً على نحو محدود)، والذي يواجه بحسب المصدر "تحفظات من رئيس الجمهورية برهم صالح، ولا تزال المفاوضات جارية حوله". وأوضح القيادي في "الفتح" أنه "إذا وافقت الأطراف الأخرى على العيداني، فسيذهب منصب محافظ البصرة إلى شخصية يرشحها الصدريون ضمن تفاهمٍ مسبق"، مشيراً في هذا الإطار كذلك إلى أن تمرير قانون الانتخابات الجديد "كان ضمن التفاهمات بين المعسكرين".
وأضاف المصدر أنه "في حال لم يتمكن العيداني من تخطي التحفظات الحالية، وأغلبها بسبب حكم مسبق من الشارع، فإن اسم رئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي لا يزال مطروحاً كمرشح جيد، فضلاً عن رئيس جامعة بغداد عماد الحسيني، والوزير الأسبق في أول حكومة انتقالية في العراق بعد عام 2003، محمد توفيق علاوي، وهو ترشيح يمكن اعتباره مدعوماً من برهم صالح، والتيارين المدني والصدري في العراق".
هذه المعلومات أكدها مصدرٌ مقرب من مقتدى الصدر، خلال اتصال لـ"العربي الجديد" معه من مدينة النجف، إذ قال إن "سيناريو سبتمبر 2018 بالاتفاق على سحب فتيل الأزمة، واختيار رئيس وزراء توافقي ضمن تسوية شاملة لتشكيل الحكومة، هو الأقرب الآن للتحقق"، مضيفاً أن "هادي العامري أبلغ الصدر بأنه لم يتم فرض أي مرشح يرفضه أو تمريره رغماً عنه".
في المقابل، شدد النائب عن تحالف "الفتح"، أحمد الكناني، لـ"العربي الجديد"، على "ضرورة تشكيل الحكومة العراقية المقبلة بتوافق سياسي، مع الإنصات لصوت المتظاهرين، كي تأتي الحكومة مستقرة، وتتمكن من تلبية مطالب الشارع". ولفت إلى أن "تحالف الفتح، وبعد تنازل تحالف سائرون عن حقه بأنه الكتلة الكبرى، هو الكتلة الكبرى، لكنه قرر عدم تشكيل حكومة بعيداً عن التوافق".
إلى ذلك، أكد النائب عن تيار "الحكمة"، جاسم البخاتي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الجانب التوافقي بتشكيل الحكومة حضر بقوة خلال الساعات الماضية، شرط أن يكون رئيس الوزراء المقبل من غير الشخصيات المجربة سابقاً، ويحظى بقبول لدى الشارع".
وكان قصي السهيل قد أعلن، في خطابٍ وجهه إلى تحالف "البناء" الذي رشحه للمنصب، بأنه يثمن ترشيحه، لكن "بسبب ظروف غير المؤاتية" طلب الموافقة على قبول اعتذاره. ويشغل السهيل حالياً منصب وزير التعليم في حكومة تصريف الأعمال، وهو قيادي في ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، وجاء تصريحه مع صدور بيان مشابه آخر عن وزير الشباب والرياضة الأسبق عبد الحسين عبطان. ورأى عضو التيار المدني العراقي والناشط علي السراي أن انسحاب السهيل جاء نتيجة لضغط الشارع، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد" أن "إيران باتت تتراجع أمام الحراك الشعبي بدليل فشلها في تمرير اسم محمد شياع السوداني، واليوم السهيل".
من جهته، اعتبر النائب عن تحالف "سائرون"، غايب العميري، في تصريحات صحافية، أن ترشيح أي اسم لمنصب رئيس الحكومة "مضيعة للوقت من دون موافقة الشارع المتظاهر". وتعليقاً على التطورات وانسحاب السهيل، رأى رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية واثق الهاشمي أن "المشهد لا يزال غامضاً، ويتضمن الكثير من الإشكاليات التي لا تزال عالقة، فضلاً عن التعقيد الذي تحثه التحركات الخارجية". وأشار إلى أنه "قد يصار في حال تعذر التوافق إلى الإبقاء على عبد المهدي كرئيس لحكومة تصريف أعمال، مع تحديد موعد لإجراء الانتخابات، ما قد ينهي الأزمة الحالية".
تصعيد جديد
إلى ذلك، من المقرر أن تنطلق تظاهرات واسعة خلال الساعات المقبلة دعا إليها ناشطون في مدن عدة جنوبي العراق، أبرزها النجف وكربلاء والناصرية والبصرة، للمطالبة بالكشف عن الجهات المتورطة بقتل الناشطين خلال الأيام الماضية.
وسيرفع المتظاهرون شعارات موحدة، تطالب بتقديم قتلة الناشطين الذين ارتفع عددهم إلى 31 ناشطاً، منذ بدء التظاهرات، وتم استهدافهم بطرق مختلفة، في بغداد وكربلاء والديوانية والناصرية والنجف والبصرة. وشهدت البصرة أمس إغلاق الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر، وحقل مجنوب النفطي، ودوائر حكومية عدة، كما أغلق متظاهرون قائممقامية قضاء الخضر في المثنى. وفي الديوانية، مركز محافظة القادسية، أغلق المتظاهرون جسوراً وطرقاً رئيسية عدة، بعد ساعات من حرقهم مقرات حزب "الدعوة" ومنظمة "بدر"، و"تيار الحكمة"، ومقراً لمليشيا "العصائب"، فيما أعاد المتظاهرون في ساحة الحبوبي وسط الناصرية نصب خيام كبيرة وسط الساحة ومكبرات صوت ضخمة، دعوا فيها المواطنين إلى المشاركة في التظاهرات. وفي كربلاء، التي وجهت شرطتها وصايا هي الأولى من نوعها للزوار الدينيين الإيرانيين، بعدم الاقتراب من التظاهرات أو محيط وجودها، أو التقاط صور للمتظاهرين، أو التحدث معهم لعدم استفزازهم، بحسب مسؤول أمني عراقي، تستعد نقابات عمالية اليوم للمشاركة في التظاهرات الشعبية.
أما على مستوى العاصمة، فقد لاحق الأمن الوطني العراقي عدداً من أصحاب المطابع القريبة من ساحة التحرير، وسط بغداد، بتهمة طباعتهم شعارات وإهانة شخصيات سياسية وقبول ما يملي المتظاهرون عليهم يومياً. ووفقاً لمصادر حقوقية عدة، فإن الأمن الوطني العراقي اعتقل عاملين في مطبعتين على الأقل، يقومون بتلبية طلبات المتظاهرين من طباعة صور أو شعارات، معتبرة أن ذلك يشكل صفحة جديدة من صفحات التضييق على المتظاهرين.

المساهمون