بعد 14 عاماً من غيابه الكامل عن سوريا، تأكد في خريف العام الماضي أن مرض شلل الأطفال ظهر من جديد في شمال شرق البلاد، في أجواء من الفوضى الميدانية والمؤسساتية، خاصة في المناطق التي خرجت عن سيطرة الحكومة السورية بدمشق.
فقد تأكد في شهر نوفمبرالماضي إصابة 13 طفلاً بفيروس شلل الأطفال في محافظة دير الزور بشمال شرق سوريا، شُلت حركتهم جميعاً، غير أنه مع نهاية مارس 2014، تم تسجيل إصابة 27 طفلاً بالشلل جراء مرض شلل الأطفال 18 منهم في محافظة دير الزور المتنازع عليها، و4 في حلب ثاني أكبر المدن السورية والتي تسيطر كتائب المعارضة على نصفها الشرقي فيما يخضع نصفها الغربي لسيطرة قوات النظام السوري، واثنتان في إدلب واثنتان في الحسكة وواحد في حماة.
ولمواجهة خطر انتشار المرض بكثافة في كامل منطقة الشرق الأوسط، أعلنت الأمم المتحدة، عن تنظيم حملة تلقيح واسعة ضد شلل الأطفال في المنطقة.
وقالت منظمة "اليونيسف" أنها وفرت 14 مليون جرعة لقاح لأطفال سوريا منذ بدء تفشي المرض، وتقوم بحملة تلقيح على عدة جولات، بالتنسيق مع منظمات رسمية وأهلية.
في درعا
وكانت المناطق الثائرة والخارجة عن سيطرة الحكومة السورية في محافظة درعا -جنوب البلاد- من أولى المناطق التي شملتها حملة اللقاحات ضد شلل الأطفال من جانب "اليونيسيف" وتمكنت طواقم المنظمة من دخول تلك المناطق بعد نيل موافقة النظام وضمانات منه بضمان سلامة طواقمها.
وأوضحت بعض الطواقم المسؤولة عن العملية داخل المنظمة الدولية بأن نسبة التغطية اللقاحية في محافظة درعا حالياً لا تزيد على 30 بالمئة، مما يعني أن هناك آلاف الأطفال معرضون للإصابة بأمراض قد تودي بحياتهم، مثل التهابات الكبد والسل.
بين السلطة والمعارضة
وبالتزامن مع الحملة الدولية للتلقيح ضد شلل الأطفال في سوريا، قامت كل من المعارضة والحكومة بحملات مكثّفة لتلقيح الأطفال في المناطق الخاضعة لسيطرة كل منهما.
وأنهت حملة "لننهي شلل الأطفال في سوريا" -التي تستهدف المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية- أنهت مطلع الشهر الجاري حملتها الرابعة، بعد ثلاث جولات ناجحة وصلت فيها لتلقيح ما يقارب مليوني طفل سوري في سبع محافظات، أبرزها حلب ودير الزور والرقة والحسكة، وهي جميعها محافظات تقع في شمال، وشمال شرق البلاد.
كما تمكنت فرق المتطوعين التابعة للحملة المذكورة من الوصول إلى مناطق في الريف الشمالي والشرقي لمحافظتي حمص وحماه، وهي مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة.
وبلغ عدد المتطوعين في الحملة المذكورة 8.500 شخص، بمشاركة ما يزيد على 200 طبيب، وتحظى الحملة بدعم من وحدة تنسيق الدعم الإغاثي والإنساني التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، إلى جانب دعم منظمات محلية ودولية غير حكومية.
وقامت الحكومة السورية بحملة واسعة لتلقيح الأطفال ضد المرض في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ووصلت الحملة -حسب وزير الصحة في الحكومة السورية سعد النايف-إلى أكثر من 2.8 مليون طفل، في عدة محافظات، وسط اتهامات بأن الحكومة الرسمية تستثني المناطق الخاضعة للمعارضة من جولاتها التلقيحية.
الخطر قائم
وبذلك تكون حملات التلقيح ضد شلل الأطفال، سواء منها الدولية أو المحلية، قد وصلت بمجموعها إلى أكثر من 4 مليون طفل، لكن الخطر ما يزال ماثلاً في سوريا، وفي جوارها، وهو ما يتطلب حملات أخرى، وتنسيق بين جميع الأطراف، الدولية والمحلية، سواء التابعة للمعارضة أو للحكومة الرسمية، بغية تحقيق نتائج أفضل في تحصين أطفال سوريا والمنطقة من هذا الوباء الخطير.
مصدر تهديد
وحذرت المنظمات الدولية من تهديدٍ يطال ملايين الأطفال في أرجاء الشرق الأوسط بسبب عودة المرض الفيروسي، قبل أن يحذّر علماء ألمان بدورهم من مخاطر انتقاله إلى أوروبا أيضاً بعد عقودٍ من اختفائه.
وينتقل الفيروس المسبب لمرض شلل الأطفال عن طريق الطعام أو الماء الملوث، وبالتالي، فإن الظروف غير الصحية التي يعيشها مئات آلاف الأطفال السوريين، سواء داخل البلاد، في المناطق المحاصرة من جانب قوات الحكومة السورية أو تلك التي لم تعد تعمل فيها المؤسسات الصحية الرسمية، أو في مخيمات اللاجئين المزدحمة في بلدان الجوار، تشكّل بيئة ملائمة لانتشار المرض بصورة وبائية.
ويهاجم الفيروس المتسبب في مرض شلل الأطفال الجهاز العصبي، ويمكن أن يسبب شللاً لا يمكن علاجه، وهو ما يدعو للحذر من أن وجود طفل واحد مصاب بالعدوى، يجعل الأطفال في كل المنطقة في حالة تهديد بالإصابة.