وجاءت مظاهر الهدوء النسبي أمس، في أعقاب اشتباكات وقصف مدفعي في بعض أحياء مدينة عفرين، حيث ظهر أن العملية العسكرية موجّهة ضدّ مجموعات عسكرية كانت قد شاركت في معركة "غصن الزيتون" سابقاً، على رأسها فصيل يدعى "تجمّع شهداء الشرقية"، إذ تمّ إجباره على الخروج من مدينة عفرين إلى ضواحيها، بعدما تعرضت مقاره للحصار ثمّ للقصف، الأحد، خصوصاً في حيي الفيلات والمحمودية. وعلمت "العربي الجديد"، من مصادرها في عفرين، أنّ "فيلق الشام" (تابع للجيش السوري الحر)، توسّط للوصول إلى اتفاق يسمح لعناصر وقيادات "شهداء الشرقية" بالخروج مع عائلاتهم بأمان من مدينة عفرين إلى ناحية جنديرس، جنوب غرب عفرين، وذلك بعدما تسببت مواجهات الأحد بمقتل ما لا يقلّ عن ثلاثة عناصر من "الجيش الوطني"، إلى جانب مقتل وجرح ما لا يقلّ عن 15 عنصراً من مقاتلي "شهداء الشرقية".
وتداول ناشطون تسجيلات صوتية منسوبة إلى القيادي في "شهداء الشرقية" الملقب بـ"أبو مالك"، يوجّه فيها مناشدة للمساعدة في انتشال المقاتلين المصابين، إذ سقط معظم هؤلاء إثر انهيار سقف مقر تابع للفصيل بعد استهدافه بقذيفة صاروخية.
وقال "الجيش الوطني" إنّ الحملة ضد "المجموعات الفاسدة... التي تسببت بالعديد من المشكلات للإخوة المدنيين، باعثين القلق وعدم الأمن والأمان بينهم، لا تزال مستمرة وسوف تتوسّع لتشمل عدداً من المجموعات الأخرى في مناطق درع الفرات" بريف حلب الشمالي الشرقي. لكن قائد "شهداء الشرقية" ويدعى "أبو خولة"، نشر تسجيلات صوتية له قال فيها إنّ الحملة ضدّ فصيله ليست بسبب الفساد، بل لأن فصيله رفض الانضواء في "الجيش الوطني".
وإضافة لطرد فصيل "شهداء الشرقية"، الذي يتحدر معظم عناصره من المنطقة الشرقية في سورية، فقد شملت الحملة العسكرية ملاحقة بعض المجموعات المنتسبة لـ"فرقة السلطان مراد"، إذ تتهم هذه المجموعات بأنّها مارست انتهاكات واسعة بحقّ السكان في منطقة عفرين.
وشهدت منطقة عفرين عموماً، منذ انتهاء معركة "غصن الزيتون" في مارس/ آذار الماضي وسيطرة فصائل عديدة تتبع لـ"الجيش السوري الحر" عليها، فلتاناً أمنياً وسلسلة انتهاكات كثيرة من قبل الفصائل التي باتت صاحبة النفوذ. وطاولت هذه الانتهاكات السكان المحليين والسكان الجدد الذين سكنوا في المدينة بعد تهجيرهم من بلداتهم ومدنهم في ريف دمشق، كأهالي الغوطة الشرقية وأحياء جنوب العاصمة وبعض مناطق القلمون الشرقي.
وتمثّلت هذه الانتهاكات باعتقالات كيدية لبعض السكان والناشطين، وكذلك مصادرة منازل وأملاك خاصة للسكان المحليين، وحتى طرد بعض المُهجرين الذين سكنوا عفرين لخارجها أحياناً، إضافة لحوادث سرقة وسلبٍ بمبررات وذرائع مختلفة، كأن يتم اتهام الضحية أو الضحايا بأنهم تابعون لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية، وبالتالي فإنّ ذلك يشرعن سرقة أملاكهم من قبل الفصائل التي تعتبر نفسها صاحبة النفوذ، ولها الحق في أن تتصرّف بحرية مطلقة في عفرين، كونها شاركت بطرد "الوحدات" الكردية منها.
ورغم أنّ الفصائل الأساسية التي تنفّذ العملية تتبع لـ"الجيش السوري الحرّ"، إلا أنّ التحرّك فيها وقيادتها تعود للجيش التركي.
ومنذ أشهر ومع تزايد انتهاكات هذه الفصائل في عفرين، دعا ناشطون السلطات التركية للتحرّك، كون القوات التركية وحدها القادرة في تلك المناطق على ردع الفصائل العسكرية التي تقف خلف الانتهاكات وأعمال السرقة والنهب التي سُجلت في المدينة.
وبدأت السلطات التركية في الأسابيع الماضية بتدريب مئات السوريين الذين يتحدرون من مناطق شمال شرق حلب، ليكونوا كجهاز شرطة يضبط الأمن في مناطق "درع الفرات". ويبدو أنّ خطوات مماثلة سيتمّ تطبيقها في منطقة عفرين، بعد إزاحة المجموعات العسكرية التي تتهم بالوقوف خلف الانتهاكات الواسعة بحق المدنيين هناك.