عودة الاشتراكي الألماني: شولتز يقود المواجهة مع ميركل

25 مارس 2017
انتُخب شولتز بالاجماع رئيساً للاشتراكي ليقوده بالانتخابات المقبلة (Getty)
+ الخط -

سجّل الحزب الاشتراكي الديمقراطي في ألمانيا عودة تاريخية لم يسبق لها مثيل في تاريخه الحديث، مع ترشيح زعيمه، رئيس البرلمان الأوروبي السابق، مارتن شولتز، ليترأس قائمة مرشحي حزبه لخوض الانتخابات البرلمانية العامة ومنافسة مرشحة الحزب "المسيحي الديمقراطي" المستشارة أنجيلا ميركل، خلال الانتخابات المقررة في 24 سبتمبر/أيلول المقبل، وذلك بعد أن بيّنت استطلاعات الرأي ارتفاع شعبية الحزب أكثر من عشر نقاط خلال الشهرين الماضيين ووصولها إلى 32 في المائة، وهي أعلى نسبة يحصل عليها الحزب خلال الدورة التشريعية الحالية.

ويرى مراقبون أنه منذ منتصف يناير/كانون الثاني الماضي تبدّل الأمر رأساً على عقب، وبين ليلة وضحاها بدأت استطلاعات الرأي ترصد ردة الفعل الإيجابية لدى ناخبي "الاشتراكي"، وزادت نسبة المؤيدين خلال فترة قياسية، في حين كانت أرقام الحزب قد هوت في وقت سابق إلى ما دون 20 في المائة، وذلك نتيجة عدم الرضى عن سياسة نائب المستشارة وزعيم الحزب السابق زيغمار غابريال. حتى أن مراقبين ومعاهد أبحاث ألمانية اعتبروا حينها أنّ الحزب الاشتراكي كأنه وقع في سقطة أبدية، وبدأوا بمقارنة أرقام مؤيديه بنسب مؤيدي الأحزاب الصغرى في البلاد بينها حزبا "الخضر" و"اليسار" في بعض الولايات. وتولّدت قناعة لدى الكثير من الناخبين أن حزب المستشارة أنجيلا ميركل، "المسيحي الديمقراطي"، بات الحزب الذي لا يقهر، على الرغم من الكثير من الانتقادات التي طاولت ميركل أخيراً بخصوص سياسة الأبواب المفتوحة تجاه اللاجئين والعدالة الاجتماعية في البلاد. إلا أن بعض الاستطلاعات عادت أخيراً للكشف عن اقتراب "الاشتراكي" من "الاتحاد المسيحي"، المكوّن من "المسيحي الديمقراطي" و"الاجتماعي الديمقراطي" بزعامة كل من ميركل ورئيس حكومة بافاريا هورست زيهوفر، الذي يتصدّر الترتيب حالياً بنسبة 33 في المائة حسب معهد "فورسا" لقياس استطلاعات الرأي.

ويعزو خبراء في الشأن السياسي والاجتماعي الألماني التقدّم الذي حققه الحزب الاشتراكي إلى الشخصية والخبرة السياسية التي يتحلى بها الزعيم الجديد مارتن شولتز، والذي تم انتخابه يوم الأحد رئيساً للحزب بنسبة مائة في المائة من أصوات 608 أعضاء الحزب الذين شاركوا في الاجتماع الاستثنائي الذي عُقد في برلين، لتشكّل هذه النسبة سابقة تاريخية في مسار الحزب العريق. ويقول خبراء إن هذه النتيجة ستؤدي إلى إعادة شد عصب وتعبئة المناصرين والمنضوين في صفوف الحزب، وهو ما سمح لشولتز أيضاً بالتعليق على النتيجة بالقول إنها تمهيد لغزو دار المستشارية.

ويُجمع الخبراء على أن السياسي المحترف استطاع التصرف بذكاء من خلال الإيماءات وتعابير الوجه، وإقناع الحضور والتحدث إلى الناس، ما أعطاهم الشعور بأن كلمتهم مسموعة، كما فرض تكتيكاً وتوجّهات معينة خلال مخاطبته لجمهوره، منها ما خص البرنامج الانتخابي المرتقب الإعلان عنه خلال شهر يونيو/حزيران المقبل. وبات معروفاً أن برنامجه يحاكي هموم ورغبات المواطن داخل وخارج الحزب ومنها ملفات البطالة والتعليم والأجور والضرائب والتدريب المهني والطلاب والأسرة والعدالة الاجتماعية، وهو أكد في كلمته أمام المؤتمرين، الأحد، أنها الشرط الأساسي لأي مجتمع حر ديمقراطي يتمتع فيه الجميع بالاحترام وتكافؤ الفرص. وفي كلمته أيضاً هاجم شولتز حزب "البديل من أجل ألمانيا"، واصفاً إياه بأنه "عار على ألمانيا"، ومطالباً باتخاذ مواقف واضحة ضد الشعبوية والتطرف اليميني، والالتزام الواضح تجاه أوروبا. وأضاف: "من يظن أنه يستطيع فصل المصالح الألمانية عن أوروبا قوية، فإنه لن يتجاهل التاريخ فقط بل يتلاعب أيضاً بمستقبل الجيل المقبل".


وفي هذا السياق، يقول مراقبون إن الثقة المطلقة التي منحها الحزب لشولتز، ستسمح له بالاستفادة من هذه الدفعة لتغذية الحماسة في صفوف الألمان وحثّهم على التصويت بكثافة لحزبه من أجل التغيير، وهي بالتالي من شأنها أن تشكل بداية مشجّعة لحملة الحزب الانتخابية، معتبرين أن ما حصل الأحد أعطاه حصانة معيّنة تقيه الاتهامات والعداء من أوساط الأحزاب المنافسة. مع العلم أن شولتز نفسه دعا خصومه السياسيين إلى نقاش نزيه وموضوعي من دون الحط من كرامة المنافس السياسي الآخر، وبالتالي عليه أن يفعل الكثير خلال 6 أشهر مقبلة للحفاظ على حظوظه في الفوز بالمنصب ضد أقوى امرأة في أوروبا، المستشارة ميركل، في وقت تشير فيه الأرقام والتقارير إلى انه انضم إلى الحزب الاشتراكي منذ يناير/كانون الثاني الماضي 13 ألف عضو جديد.

من هنا فإن هذه المستجدات ستجعل الحملات الانتخابية أكثر اثارة، خصوصاً أن الكثيرين من جيل الشباب باتوا حالياً منخرطين في اللعبة السياسية أكثر من ذي قبل، بحسب ما يرى مراقبون، خصوصاً بعد تمدد اليمين الشعبوي وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وعليه بات من المطلوب إرسال إشارة من أجل الديمقراطية، ناهيك عن أن حماسة وتطلعات شولتز الانتخابية سرقت الأضواء من اليمين الشعبوي وأراحت الناخب الألماني بشكل عام. كما أن شولتز استطاع خلال الفترة الماضية تجييش الناخبين وشدهم نحو خياراته، مستفيداً من شعاراتهم للتعبير عن سخطه من بعض السياسات المتبعة من الائتلاف الحكومي الحاكم.
في المقابل، يقول العديد من المتابعين إن الصحوة التي طاولت الحزب الاشتراكي أخيراً دليل عافية للديمقراطية في ألمانيا، وتؤكد أن المواطن الألماني يعي ما يريد وأين تكمن خيارته وتطلعاته لبلده، إلا أنهم يلفتون في الوقت نفسه إلى أن الوقت ما يزال بعيداً عن موعد الانتخابات، وأن المزاج المتقلب للناخبين يتحكم أخيراً في نسبة لا بأس بها من الأصوات. ويشيرون إلى أنه حتى الأمس القريب كان حزب "البديل" اليميني الشعبوي يحقق أرقاماً ملموسة خلال انتخابات الولايات، فيما الوضع الحالي مغاير تماماً مع تراجع أرقام "البديل" إلى حدود 10 في المائة، بعد أن وصلت إلى 15 في المائة خلال الفترة السابقة، في حين استطاع "الاشتراكي" خلال فترة قياسية العودة لمصارعة أرقام الحزب "المسيحي الديمقراطي" متصدر أرقام الاستطلاعات حالياً، وبالتالي فإن الأمور غير مستقرة، وأصبحت معقدة جداً.