تجددت موجة الاحتجاجات في محافظة البصرة، الواقعة جنوب العراق والمطلة على مياه الخليج العربي، بعد أسابيع من الهدوء القسري الذي فرض على المحافظة النفطية نتيجة حملة الاعتقالات الواسعة التي نفذتها قوات الشرطة ومليشيات "الحشد الشعبي"، تخللتها سلسلة اغتيالات طاولت عدداً من الناشطين في التظاهرات.
وشهدت مساء أمس الثلاثاء وصباح اليوم الأربعاء مناطق المعقل والزبير وام قصر والبرجسية وشط العرب، عدة تظاهرات ووقفات اعتصام قرب مقرات شركات نفطية ومكاتب حكومية عدة، وارتدى المتظاهرون هذه المرة سترات صفراء اللون، في محاولة لجذب الانتباه إليهم، وفقا لما يقوله أحد منظمي التظاهرات التي بدت أكثر تنسيقاً.
ويقول ناشطون في البصرة إنهم قرروا معاودة التظاهر بعد عدم تطبيق الحكومة أياً من وعودها السابقة، مثل فتح باب التعيين بالمؤسسات الحكومية وتوفير فرص عمل، وتوفير مياه عذبة وطاقة كهربائية مستمرة، عدا عن إصلاح مستشفيات المحافظة.
وقال عضو في تنسيقية حي الحكيمية وسط البصرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حالة من الغضب والغليان الشعبي تعم محافظة البصرة، بسبب عدم تحقيق أي من الوعود التي أطلقتها الحكومة السابقة والحالية للمحافظة".
وأكد: "بدأنا كتنسيقيات للتظاهرات في المحافظة، حراكا جديدا، وخطوات فعلية لإعادة تنظيم صفوف المتظاهرين".
وأضاف: "ننتظر من الحكومة اتخاذ خطوات عملية، كتعيين العاطلين عن العمل أو تحسين مستوى الخدمات، أو أي إجراءات عملية تكشف عن نية الحكومة الاهتمام بمشاكل المحافظة. وبخلاف ذلك، لا يمكن لأي جهة سياسية أن تسيطر على الشعب البصري الغاضب، والذي لن يترك حقوقه، ودماءه وتضحياته التي قدمها"، مؤكداً أنّ "جهات حكومية وحزبية، تسعى لامتصاص غضب الشعب، ومنع التظاهرات، وتجري لقاءات وحوارات معنا، لكنّنا رفضنا بشدة تلك المحاولات، واشترطنا أن نتلمس خطوات فعلية لتنفيذ الوعود".
وأشار إلى أنه "على الحكومة ألا تنسى تجربة الحكومة السابقة مع المحافظة، وكيف انتهت برئيسها حيدر العبادي، الذي خسر كل شيء بمجرد أنه أهمل البصرة"، وسجل ناشطون يوم أمس اعتداء محافظ البصرة أسعد العيداني على أحد المتظاهرين الذين اعترضوا موكبه ليلة أمس، حيث ترجل المحافظ من سيارته ليعتدي على المتظاهر، وهو ما برره في وقت لاحق بأنه شتم عائلته.
وتحاول الحكومة امتصاص فتيل الغضب الشعبي في البصرة، وزار المحافظة يوم أمس وزيرا المالية فؤاد حسين، والعمل والشؤون الاجتماعية باسم عبد الزمان، لإطلاق الوعود الجديدة.
ووعد وزير المالية، أهالي المحافظة، بفرص عمل ودرجات وظيفية قريبا، وأنّه تم تقديم نسخة من مطالب المتظاهرين، وستتم دراستها، وأنّ الدراسة ستشمل حتى الواقع الصحي للمحافظة، إلا أن متظاهرين هاجموا مقر انعقاد المؤتمر الصحافي في فندق الشيراتون بالبصرة معتبرين تلك الوعود جرعات مخدرة جديدة لهم، ما اضطره إلى مقاطعة المؤتمر والمغادرة.
ويؤكد مسؤولون في محافظة البصرة، أنّ رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، يخشى زيارة المحافظة، بسبب الغضب الشعبي فيها، وقال قيادي في تحالف "الإصلاح"، لـ"العربي الجديد"، إنّ "قضية الوعود التي تطلقها الحكومة للمحافظة على فترات مستمرة، هي استمرار لمسلسل الكذب، ومحاولات السيطرة على أهالي المحافظة".
Facebook Post |
وشدد على أنّ "الشعب البصري اليوم، رفض الاستماع حتى للوعود، وأنّه منع المسؤولين الذين ترسلهم الحكومة إلى المحافظة، وطردهم منها قبل إطلاق وعودهم الكاذبة"، مبينا أنّ "عبد المهدي يريد أن يزور المحافظة بنفسه، لتهدئة الوضع فيها وامتصاص الغضب الشعبي، لكنّه يتخوف من نتائج هذه الزيارة، وما قد يتعرض له من قبل أبناء البصرة الغاضبين"، وأكد، أنّه "ترك الزيارة معلقة ولم يبت بأمرها، محاولا اقتناص وقت مناسب لإجرائها".
من جهتها، حذرت النائبة عن تحالف "النصر"، جميلة العبيدي، الحكومة من مغبة استمرار إهمال محافظة البصرة، وما سيترتب على ذلك من نتائج، وقالت العبيدي في تصريح صحافي، إنّ "الحكومة الحالية برئاسة عبد المهدي يتحتم عليها إنقاذ محافظة البصرة من الواقع المزري الذي تعيشه، على مستوى الخدمات، ورغم تعاقب الحكومات".
وأكدت أنّه "في ذمة الحكومة مبلغ 15 مليار دولار للبصرة، من مشروع البترودولار، ولم تصرف هذه الأموال للمحافظة حتى اليوم"، مشيرة إلى أنّ "الواقع الذي تعيشه البصرة اليوم، لا يختلف عن واقع المحافظات التي تم تحريرها أخيرا من قبضة تنظيم داعش، بسبب انهيار بناها التحتية والخدمية".
ويحذّر مراقبون من مغبة عدم اتخاذ الحكومة الحالية، أي خطوات فعلية لتحسين الخدمات، أو تعيين أعداد من العاطلين من محافظة البصرة، الأمر الذي يهدّد استقرار العملية السياسية برمتها.
Facebook Post |
وقال الخبير السياسي، مهند البصري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "غضب الشارع البصري لم يهدأ منذ التظاهرات السابقة، وإنّ علاجات الحكومتين لم ترقَ إلى مستوى يمكنه أن يهدئ الأهالي"، مبينا أنّ "المحافظة اليوم تغلي على بركان خطير، وعلى الحكومة أن تتحرك بشكل عاجل لإيجاد حل مناسب لها".
وأشار إلى أنّ "أي خطوة لعبد المهدي تجاه المحافظة يجب أن تكون مدروسة، وألا ينضوي تحتها أي وعد، لأنّ مجرد الوعد، سينقلب عكسيا تجاه الحكومة"، مشددا على أنه يجب أن "تسبق الإجراءات كل الوعود التي سئمها أهالي المحافظة".