عودة إلى صنع الفخّار في حيفا

30 يوليو 2015
تصنعها عائلته منذ مئات السنين (العربي الجديد)
+ الخط -

عاد رجا عطا الله إبن السبعين عاماً إلى حرفة صناعة الفخّار، وهي حرفة الآباء والأجداد التي انقطع عنها طوال 36 عاماً. توقف عن مزاولة الحرفة مع أخوته عام 1967 بسبب ضعفها. لكنّ ساحة بيته التي تبعد 20 متراً عن البحر في حي الفاخورة في حيفا، تشهد على تلك العودة.
عقب احتلال الضفة الغربية وغزة عام 1967، لم تعد هذه المهنة مربحة، بعد أن دخلت إلى أسواق حيفا بضائع الفخار من الضفة وغزة بأسعار أرخص. كما انتشرت لاحقاً المنتوجات الصينية الصناعية، وهو ما دفعه إلى ترك المهنة حتى فترة قريبة.

يقول عطا الله: "قبل 60 عاماً، لم يكن هناك ثلاجات. وكان الناس يشترون الإبريق لشرب المياه، والخواية والمناشل لحفظها باردة. كما كانت العروس تضع على رأسها يوم زفافها إبريقاً له 7 زنابيع (فتحات) كتميمة حظ من أجل الإنجاب. لكنّ كلّ ذلك تلاشى تدريجياً".
وعن بداية عهد عائلته بالمهنة، يقول: "اختار أبي بطرس عطا الله السكن بجانب شاطئ البحر قبل 94 عاماً بعيداً عن الناس والحارات المأهولة، خصوصاً مع وجود الطين الجيد في هذه التربة". وما زال عطا الله يحتفظ في ساحة بيته بأفران الفخار الكبيرة القديمة التي كانت تستعمل على الحطب والكاز، لكنّه اليوم، وبعد عودته للمهنة، بات يستخدم فرن الغاز لصنع منتوجات الفخار.

يعرض في ساحة بيته منتوجات عديدة من صنعه، مثل فناجين القهوة والشاي، والسكرية (وعاء السكر)، والطناجر، والدربكة (الطبلة) والأباريق، وأصص النباتات، والجرار، والمزهريات، والقوارير، وغيرها.
يقول: "لجميع الأصابع وظيفة في صناعة الفخار. أذكر نفسي منذ كنت طفلاً وأنا أصنعه. تعلمتها من أبي وعملت معه. ويقول كبار السن إنّ عائلتنا وعائلة أخوالي (آل الفواخري) يصنعون الفخار منذ 400 عام".

أما مواد الفخار، فأساسها الطين. ويقول عطا الله إنّ الطين نوع من أنواع التربة يستخرج من التراب الأبيض في الجبال، باستثناء رمال البحر، وكذلك من التراب الأسود، ومن أنواع تربة أخرى صالحة. ويبقى طين الرمل الأفضل بينها لأنه نقي ولا حجارة فيه. ويضيف: "بعد أن نختار الطين نمزجه بالمياه ونشكله كما نريد، وندخل المجسّم بعدها إلى الحرق بالفرن طوال 18 ساعة للحرق الأول. وبعدها نضيف إليه الزجاج كمادة للطلي الخارجي ونحرقه مرة أخرى بالفرن حتى ينجز نهائياً".

ويتابع: "قبل عام 1948 كانت المعيشة أرخص، وكنا نحصل على التراب مجاناً. فأبي كان قد صنع ومد خط مياه من حي وادي السياح حتى البحر. وكنا الوحيدين في منطقتنا الذين نصنع الفخار. كما كان لدينا وكلاء لتوزيع منتجاتنا في قرى الشمال في الناصرة وشفا عمرو".
تنسيه هذه الصناعة همومه وتسعده فلا يشعر بأيّ تعب خلال عمله. ويفضل صناعة أباريق الماء الفخارية، ويحبّ جميع ألوانه، لكن يبقى الأزرق التركواز هو المحبب إليه كرمز للبحر والسماء.

لا يستطيع عطا الله العيش بعيداً عن البحر. يستيقظ عند الخامسة فجراً كلّ يوم ليحتسي كوب الشاي على الشاطئ صيفاً وشتاء. ولا يخصص ساعات محددة لصنع الفخار، بل يحيل الأمر إلى مزاجه، مهما اختلفت الأوقات ما بين الليل والنهار. يقول إنّه شاهد العديد من دورات الفخار، لكنّه يؤكد أنّ أحداً لا يضاهي سرعته وتحكّمه بالمجسمات خلال تشكيلها.
أما لماذا عودته اليوم إلى هذه المهنة، فيقول: "عاد الناس للاهتمام بها، خصوصاً مع اعتبارها عملاً تراثياً فنياً. وهذا ما يدعوني إلى التحضير لافتتاح ورشة لصنع الفخار في الشتاء المقبل".
ومع ذلك فهو يأمل أن تستمر. ويقول: "ابني البكر وحده يعرف صنع الفخار في العائلة. لكن آمل أن يرغب أحفادي يوماً ما في تعلّم الحرفة كي تستمر في العائلة لسنين أخرى بعد استمرارها طوال قرون".

حيّ الفاخورة
كان حيّ الفاخورة في كفر سامر، التي سماها الاحتلال "كفار سمير"، قبل عام 1948 نقطة لقاء بين مدن يافا وحيفا وعكا. وكان يتميز ببئرين للماء العذب، وبالخان الذي يستريح المسافرون فيه مع خيولهم ودوابهم، ليعاودوا الانطلاق في اليوم التالي. وهو ما جعل الفاخورة من أهم محطات المسافرين على السواحل.

اقرأ أيضاً: أنييس بلوطين احتفلت بعامها المائة في حيفا
المساهمون