عودة أميركية ملتبسة إلى الملف السوري

27 أكتوبر 2017
تصريحات تيلرسون زادت الموقف الأميركي ضبابية (فرانس برس)
+ الخط -
فجأة عادت الأزمة السورية إلى شاشة رادار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. عودة بدت وكأنها محمّلة برسائل إلى قوى وجهات على هذه الساحة، يتردد أن واشنطن تنوي قصقصة نفوذها فيها. لكنها في الوقت ذاته، جاءت بصيغة يغلب عليها الالتباس والضبابية.

ومع ذلك، أثارت اهتمام المراقبين لأنها جددت الحديث عن مصير الأسد، وبلغة تضمر التوعد، ولو المبهم، بالحسم. وكانت هذه المسألة، قد غابت عن خطاب إدارة ترامب منذ فترة، تحت غطاء أن البت في وضع رئيس النظام السوري، بشار الأسد، "متروك للشعب السوري"، وبما أوحى بأنها نفضت يدها من هذا الموضوع، تماماً كما فعل أوباما قبلها.

لكن تصريح وزير الخارجية، ريكس تيلرسون، أمس الخميس، في جنيف، بعد لقائه مع المبعوث الأممي إلى سورية، ستيفان دي ميستورا، جاء بصيغة تفيد بأن الإدارة أعادت النظر بموقفها هذا.

قوله إن "حكم عائلة الأسد يقترب من نهايته" ينطق بالتغيير والتصعيد المبطّن، على الأقل في ظاهره، وإن كان الوزير قد سارع إلى الإشارة إلى أن "خروج الأسد ينبغي أن يحصل عبر عملية السلام في جنيف"، خاصة أنه يأتي على خلفية إشارات صدرت مؤخرًا عن مسؤولين كبار، أبرزهم مستشار الرئيس لشؤون الأمن القومي، الجنرال هربرت مكماستر، تشدد على عزم الإدارة على التصدي لـ"النفوذ الإيراني في سورية". وكان آخر ما قاله في هذا الخصوص هو تشديد، خلال مقابلة متلفزة قبل يومين، على "إعطاء الأولوية لمواجهة إيران وأذرعها في سورية والعراق ولبنان واليمن".

وأضاف أن "أخطر ما يمكن أن يحصل هو الإحجام عن مواجهة "حزب الله" الذي يقدم الدعم لنظام الأسد ويساعده على الاستمرار". وترافق ذلك دعوات خاصة من جانب القوى المحافظة، تطالب البيت الأبيض بـ"الدفع المضاد" في وجه الروس والإيرانيين في سورية، وضد الطرف الثاني في العراق.



وما عزز هذا التفسير لكلام الوزير أن المبعوث دي ميستورا اغتنم الفرصة ليقول، وبشيء من التحذير، إن اللحظة الراهنة "هي لحظة الحقيقة". وكأن هناك حسابات أخرى دخلت على خط الأزمة السورية لمح إليها تيلرسون الذي حرص على التأكيد أن "الولايات المتحدة تريد سورية واحدة وموحدة".
 الخطاب نفسه كررته، ولو بلغة دبلوماسية، نائبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، السفيرة جوان بولاشيك، في كلمتها أثناء حفل الغداء الذي أقامه اليوم "المركز العربي في واشنطن"، كجزء من مؤتمره السنوي الثاني الذي شهد عدة ندوات تحدث فيها عدد من الخبراء والأكاديميين وضيوف عرب؛ عن إدارة ترامب والعالم العربي.

وفي سياق عرضها لسياسة وتوجهات الإدارة إزاء المنطقة وأزماتها الملتهبة، قالت بولاشيك إن "الأسد لا يصلح لحكم سورية". لكنها سرعان ما استدركت لتقول إن الأمر "يعود إلى الشعب السوري". وذاك خليط من الموقف الأميركي الأول ومن تصريح تيلرسون.

أما النغمة في الخارجية فقد كانت أكثر التباساً. ففي لقائها الصحافي اليوم الجمعة، قالت المتحدثة الرسمية، هيذر نويرت، إن كلام الوزير "لا ينطوي على تغيير" في الموقف تجاه الرئيس السوري. وأضافت: "هو من الأساس لا يرى أن بإمكان نظام الأسد الاستمرار في حكم سورية على المدى البعيد".

التباين بين قول الخارجية إن المسافة "لا تزال بعيدة قبل الجلوس على طاولة جنيف"، وكلام الوزير عن "نهاية قريبة" للأسد عبر جنيف، أثار الكثير من التساؤلات: فهل ما قاله تيلرسون جدّي أم كان زلة لسان تولت الخارجية تصحيحها؟ وهل الالتباس مقصود للإرباك والتهويل أم هو تمهيد لتصعيد في شرق سورية؟ ثم إن هناك علامة استفهام أكبر: هل البيت الأبيض، الذي اعتاد على تكبيل وتعطيل مبادرات وزير الخارجية، موافق على تصريح الوزير وملتزم به؟

السوابق تفرض الحذر في التفسير. لكن الراجح أن سورية بعد الرقة رجعت إلى الشاشة الأميركية.


المساهمون