عودة أميركية لورقة "تنمية" غزة: صفقة جديدة لإدارة ترامب؟

11 يوليو 2018
يراهن كوشنر على ضيق خيارات غزة (أشرف عمرا/الأناضول)
+ الخط -
منذ عودة الفريق الأميركي بقيادة مستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره، جاريد كوشنر، من جولته الأخيرة في الشرق الأوسط بلا نتيجة واضحة، بعد فشل آخر محاولاته في تسويق ما تُسمى "صفقة القرن" لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدأ هذا الفريق في الاستدارة نحو غزة، من باب تسليط الأضواء على أوضاع القطاع "المأساوية" وضرورة منحه الاهتمام اللازم "لإنقاذه من الانهيار".

وبدا أن الفريق الأميركي هبطت عليه فجأة "صحوة إنسانية" للعمل على "إصلاح" أوضاع غزة. والمفارقة أن الفريق نفسه سبق أن دفع باتجاه وقف المساعدة الأميركية لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" التي تقدّم العون للاجئين، خصوصاً في غزة، فيما يدعي اليوم الحرص على حالة غزة ومخيماتها ويبدي حماسة مزعومة لتحسين أوضاع القطاع. وتفيد تسريبات فريق كوشنر بأنه بدأ يبحث عن "الحلول والمعالجات" لهذه الحالة ليطرحها في إطار صفقة أخرى تحت عنوان "التنمية" هذه المرة، بالتنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي وبناء على نصائح السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان الذي يعكس رغبات وسياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي هذا السياق، يدور الحديث عن مشروع كبير لتطوير وتشغيل مرافق وإنشاء بنية تحتية في غزة، منها بناء ميناء، بكلفة مليار دولار بتمويل خليجي، وذلك لنقل القطاع من حالة الركود والبطالة وغياب الخدمات إلى حالة الانتعاش. نسخة عن طرح قديم أقرب إلى الرشوة كانت إسرائيل قد روّجت له تحت اسم "تحسين أحوال الفلسطينيين" في الضفة الغربية المحتلة، كبديل مبطّن عن صيغة الدولتين. وفي الحالتين كان وما زال الغرض من هذا الطرح شراء الوقت والترويج إلى أن واشنطن متمسكة بـ"التزاماتها تجاه الفلسطينيين"، فضلاً عن محاولة شحن التأزم والانقسام بين رام الله وغزة.


وفي هذا المجال، يتردد أن كوشنر يراهن في حساباته على عوامل عدة، على رأسها ضيق خيارات غزة، خصوصاً بعد تعذّر تحقيق المصالحة الفلسطينية، والإجراءات التصعيدية الإسرائيلية الأخيرة، وأبرزها إغلاق معبر كرم أبو سالم، إضافة إلى "الضغوط المصرية" والتعاطف السعودي الإماراتي المعروف مع طروحات كوشنر. وكان في حسبان الإدارة الأميركية، خصوصاً البيت الأبيض، أن "قطع التمويل" لا بدّ أن يحمل الجانب الفلسطيني على التسليم بالصيغ المطروحة. وتقول مصادر البيت الأبيض، حسب ما نسبت إليها وسائل إعلامية، إنها "فوجئت" ليس فقط بالرفض بل أيضاً بمقاطعة السلطة الفلسطينية للجانب الأميركي ورفض اللقاء بمسؤوليه. فلا وقف المساعدات، ما عدا المخصصة منها للشؤون الأمنية، ولا قطع التمويل عن "أونروا"، أدى إلى زحزحة السلطة الفلسطينية عن عدم قبول "صفقة القرن".

ووفق مراقبين ومتابعين لمحاولات الإدارة الأميركية، لا يبدو أن إغراءات "التنمية ووعود الاستثمار" قد تحمل غزة على قبول ما لم تقبل به السلطة في رام الله، أقله لاعتبارات سياسية فلسطينية. وفي هذه الحالة، تتجه واشنطن، حسب تلميحات كوشنر، إلى العمل نحو تثبيت حالة من "الهدوء" الخالي من التوتر والتراشق بين غزة وإسرائيل، على أمل أن يؤدي ذلك إلى "فتح باب الانتعاش الاقتصادي" وتنامي الحركة التجارية على أرضية استتباب الأمور، وإن بصورة هشة. ويجري التداول بهذه البدائل من باب السعي لتجاوز رام الله من بوابة غزة. ولذا فإن هذا فخ جديد ومحاولة لتوسيع الشرخ بين الطرفين اللذين تعذر التوفيق بينهما.

وبعدما جرّدت الإدارة الأميركية "صفقة القرن" من القدس وقضية اللاجئين، بنقل السفارة ووقف التمويل لوكالة "أونروا"، بما ينطوي عليه ذلك من نكران وجود لاجئين، حسبت أن الخطوط الفلسطينية الحمراء محتها الظروف الراهنة في المنطقة. لكن رفض القيادة الفلسطينية للصفقة باغت واشنطن، التي تراهن الآن على أوضاع قطاع غزة وحاجاته الإنسانية لتثبيت الخيار الاقتصادي كمدخل لمشاريع وحلول تطمس الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وهي طبخات يصفها مراقبون بمحاولات "تلصيق" لا أكثر.