الأتراك رحّبوا بالسوريين الذين راحوا قبل أكثر من ستّ سنوات يهربون من بلادهم المشتعلة ويجتازون الحدود بحثاً عن لجوء آمن في تركيا. لكنّ عدائيّة من بعض المواطنين الأتراك بدأت تظهر أخيراً
بحفاوة استُقبل اللاجئون السوريون في تركيا على المستويَين الحكومي والشعبي، إلا أنّهم يتعرّضون بين الفينة والأخرى لحملات تمييزية تأتي في سياق السجالات السياسية الداخلية التركية. وتلك الحملات تكشف، في الوقت ذاته، جوانب عدّة من القصور في العلاقة بين المجتمع التركي والمجتمع السوري، سواء لجهة قلة التواصل بينهما أو للضعف الإعلامي التركي في تعريف الأتراك على المجتمع الجديد خارج الصورة النمطية للاجئ أو لقصور المجتمع السوري في إفراز قيادات تعمل بطريقة ممنهجة لتحسين صورة السوريين.
والحملة الأخيرة التي استهدفت السوريين بدأت بالتزامن مع توتّر في العلاقات على المستوى السياسي بين الحكومة والمعارضة، إثر مشاجرة بين شباب أتراك وآخرين سوريين على خلفية التقاط سوري صورَ فتيات عند أحد الشواطئ. لكنّ الأمور تصاعدت لتصل إلى حملة ممنهجة ضدّ السوريين تحوي أكاذيب عدّة، لم يوقفها إلا قتل مواطنَين تركيَّين امرأة سورية مع رضيعها في مدينة سكاريا بعد خطفها من منزلها واغتصابها. وقد أدّى ذلك إلى حملة تعاطف كبيرة.
أكاذيب بالجملة
يقول محمد أتاكان فوجا وهو ناشط معارض لما يسمّيه معاداة الأجانب، إنّ "الحملة المعادية للاجئين كانت للأسف مليئة بالأكاذيب. فقد تداولت خبر منح الحكومة التركية بطاقة بيضاء لكل لاجئ سوري تمكّنه من شراء ما يريد من المحلات التركية بتخفيض يبلغ خمسين في المائة. لكنّه بعد التحقق من الأمر، تبيّن أنّ تلك البطاقة يمنحها الهلال الأحمر التركي للاجئين السوريين في المخيمات فقط، وتؤمّن مساعدة بقيمة مائة ليرة تركية (30 دولاراً أميركياً) لكلّ واحد من أفراد العائلة، ولا يمكن استخدامها إلا في شراء الغذاء". يضيف أنّ "الحملة تداولت كذلك قيام بلدية قونيا بتوزيع رواتب على السوريين، ليتبيّن أنّ ذلك ليس سوى قسائم مساعدة للمحتاجين السوريين تُقدَّم لمرة واحدة وتحوي الواحدة منها ما بين 75 ليرة و250 ليرة (22 دولاراً - 71 دولاراً). وقد حُكِي في السياق نفسه عن قيام الدولة التركية بتغطية نفقات طفل الأنابيب باهظة الثمن للاجئين السوريين، لكنّ ذلك ليس صحيحاً. فالجهة التي تشرف على الخدمات الصحية المقدمة إلى السوريين هي وكالة الطوارئ والكوارث التابعة لرئاسة الوزراء ولا تغطي إلا العناية الصحية الضرورية، أي أنّها لا تشمل عمليات نقل الأعضاء ولا العمليات التجميلية ولا التدخلات الطبية المتعلقة بأطفال الأنابيب".
ويتابع فوجا إنّه "جرى تداول أخبار مفادها أنّ السوريين ينتسبون إلى الجامعات التي يرغبون فيها بالإضافة إلى حصولهم على مخصصات من الحكومة التركية من دون حاجة إلى الخضوع لأي امتحانات دخول بخلاف الأتراك. لكنّ هذا مخالف للواقع، إذ يخضع السوريون للمعايير نفسها التي يخضع لها الطلاب الأجانب في تركيا لا سيّما في ما يخصّ المنح، في حين يتلقون مساعدة من برنامج مموّل من الاتحاد الأوروبي".
ويتحدّث فوجا كذلك عن "صورة متداولة لمجموعة من السوريين يقفون في طابور أمام أحد مراكز البريد التركي لاستلام رواتبهم من الدولة التركية. أمّا الحقيقة فهي إنّهم كانوا ينتظرون دورهم للحصول على 50 ألف بطاقة تغطّي الأمم المتحدة تكاليفها وتُقدَّم لـ 250 ألف شخص لمرّة واحدة. وتتراوح قيمتها ما بين 600 و900 ليرة كمساعدات لفصل الشتاء (الماضي) وليس للدولة التركية أي علاقة بها". ويشير إلى "ضرورة أن تكون المؤسسات التركية والعالمية المعنية بشؤون اللاجئين أكثر شفافية في ما يخص إيصال المعلومات إلى المجتمع التركي حول المساعدات التي تقدّمها للاجئين"، مشدداً على أنّ "ثمّة نقصاً يتعلق في المواكبة الإعلامية لنشاطات المجتمع السوري في تركيا وإجراءات الدمج وغير ذلك".
اتهامات باطلة
الفرق واضح بين تعامل الحكومة التركية مع موضوع اللاجئين السوريين وتعامل حكومات دول الجوار الأخرى، بالتالي وحرصاً على السلم الأهلي، رفض جميع المسؤولين الحكوميين الأتراك الحملة التي تستهدف السوريين. فحذّرت وزارة الداخلية التركية منها وراحت تشنّ حملات ضدّ الحسابات الناشطة في تلك الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورداً على الاتهامات التي حمّلت اللاجئين السوريين مسؤولية ارتفاع نسب الجريمة في البلاد، أوضحت الداخلية التركية في بيان لها أنّ نسبة انخراط اللاجئين السوريين في المشاكل في البلاد متدنية بالمقارنة مع إجمالي الجرائم في تركيا، ومع الأخذ بعين الاعتبار عدد اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية. فقد بلغت 1.32 في المائة تقريباً من إجمالي المشكلات والحوادث التي وقعت في البلاد خلال الفترة الممتدة بين عامَي 2014 و2017. إلى ذلك، أفادت بتراجع عدد الجرائم التي ارتكبها السوريون، خلال النصف الأول من العام الجاري، بنسبة خمسة في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، على الرغم من زيادة عدد اللاجئين داخل الأراضي التركية.
اقــرأ أيضاً
توضح مديرة مركز أبحاث مشاكل المدن والإدارة المحلية التابع لجامعة مرمرة، ياسمين جاكيرر أوزثروت، في حديث إلى "العربي الجديد" أنّ "ثمّة أسباباً عدّة حفّزت الحملات الأخيرة، يعود بعضها إلى منشورات من صحف ومجلات حرّضت على العنصرية، بالإضافة إلى تحوّل اللاجئين إلى أداة في السجالات على المستوى الداخلي والخارجي". ولعلّ الأهم بحسب أوزثروت هو "تدفق كبير للاجئين خلال وقت قصير جداً. وكأيّ مجتمع تلقى دفقاً كبيراً من اللاجئين خلال فترة قصيرة، فإنّ ذلك لن يروق لمجموعات داخله. وعلى الرغم من أنّ المجتمع رحّب باللاجئين السوريين وتعاطف معهم، فإنّنا كباحثين ومتخصصين لطالما حذّرنا من تداعيات سلبية مستقبلية. وقد سرّع حصول ذلك ما جرى تداوله في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، لذا أطلقنا في المركز حملة معاكسة لتلك التي تستهدف السوريين على وسائل التواصل الاجتماعية تحت وسم #نحن_معا".
إدراك خاطئ
من جهته، يشير المدير العام لجمعية التضامن مع اللاجئين والمهاجرين، إبراهيم فورغون كافلاك، إلى "إدراك خاطئ يتعلق باللاجئين في المجتمع التركي". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّه "عندما يسمع أيّ مواطن تركي كلمة لاجئ، فإنّ أوّل ما يخطر له هو أنّ اللاجئ فقير وغير متعلم ويتسبب في عدم الاستقرار وفي مشكلات عدّة. لذلك نسمع الجمل التقليدية عندما يرى أحدهم لاجئاً على شاطئ البحر: هل هذا هو اللاجئ الذي يتحدثون عنه ويحتاج إلى المساعدة؟!". يضيف كافلاك: "لكنّ هذه الصورة خاطئة. على سبيل المثال ألبرت أينشتاين كان لاجئاً، وكذلك إبراهيم متفرقة وهو أوّل من أدخل المطبعة إلى الدولة العثمانية. وقد ساهم أكاديميون لاجئون كثر في إعلاء شأن الجامعات التي نراها اليوم في تركيا. في المحصلة، اللاجئ يأتي بمعارفه وعلمه وتجاربه وأمواله كذلك".
اقــرأ أيضاً
وترى أوزثروت أنّ السؤال حول تأثير اللاجئين على حياة المواطن التركي العادي هو سؤال عام للغاية، قائلة: "أظنّ أنّ ثمّة فرقاً كبيراً بين المواطنين الذين لا يلتقون بسوريين في حياتهم اليومية وبين الذين يلتقون بهم. بالنسبة إلى الذين يلتقون بسوريين، فإنّ مكان اللقاء وظروفه تؤثّر في نظرتهم. ما الذي سيعرفه المواطن التركي عن اللاجئين إن كان مكان اللقاء في حديقة أو شارع أو إحدى المناطق المركزية، بينما لا توجد أيّ لغة مشتركة تمكّنهم من التخاطب".
إلى ذلك، لا تجد أوزثروت تأثيراً كبيراً لإعلان الحكومة التركية نيّتها منح المواطنين السوريين من ذوي التأهيل العالي أو أصحاب رؤوس الأموال الجنسية التركية، مشددة على "ضرورة تطوير برامج حكومية خاصة بموضوع عملية الدمج التي تُعَدّ واحدة من أصعب العمليات الاجتماعية". وتستشهد بالمشكلات الكبيرة التي ما زالت تعتري عمليات الدمج في المجتمعات الأوروبية، على الرغم من تجربتها الكبيرة في هذا المجال. وهو الأمر الذي يؤكده كافلاك: "لقد ناقشنا بما فيه الكفاية ضرورة وضع برامج للرعاية بالعجزة والمعوّقين والأطفال من اللاجئين وتلبية احتياجاتهم التعليمية. لكنّنا بينما نعمل على هذه الخطط، علينا أن نعرف أنّ عملية الدمج هي عملية باتجاهَين. من جهة، لا بدّ من تقدم الدعم للاجئين السوريين بعملية الدمج، لا سيّما في مجال تعلم اللغة التركية. من جهة أخرى، لا بدّ من العمل على تغيير وعي المجتمع التركي حول اللاجئين وتقبّله الأجانب".
ويبدو أنّ الشعارات التي أطلقها السياسيون الأتراك من قبيل "نصرة المظلومين" لحثّ المواطنين الأتراك على التعاطف مع اللاجئين السوريين استُهلِكت، وهو الأمر الذي تشير إليه أوزثروت: "أظنّ أنّ صلاحية صفة المظلوم انتهت. ما يهمّ اليوم هو التركيز على المساهمات التي أتى بها السوريون في بلادنا على المستوى الثقافي وكذلك الاقتصادي والسياسي. فكلّ وافد هو إثراء، ولا بدّ من تعريف المجتمع التركي بالوافد بطريقة جيدة ومن ثمّ تعريف اللاجئ على المجتمع المضيف. والباقي يأتي وحده".
وتدعو أوزثروت اللاجئين السوريين إلى "مزيد من التفاعل والفاعلية في موضوع الاندماج، عبر إقامة حوارات مع الأتراك. كذلك على السوريين الذين تمكنوا من تحقيق نجاحات على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أن يتحمّلوا مسؤولية تجاه السوريين الآخرين ويساعدوهم. فأيّ جهد ولو صغير من الممكن أن يكون تأثيره كبيراً". وفي ما يتعلّق بالقصور الإعلامي بمتابعة موضوع اللاجئين، تقول أوزثروت إنّ "الإعلام كارثة أخرى".
اللاجئون مسؤولون
في السياق، يؤكد مراقبون سوريون على أنّ ثمّة جزءاً من المسؤولية تقع على بعض اللاجئين. فكثيرون منهم ونتيجة تمزّق نسيجهم الاجتماعي، يتّجهون إلى التصرّف في أحيان كثيرة من دون أيّ رادع أخلاقي. فيعمدون مثلاً إلى إتلاف المنازل التي يستأجرونها وإلى عدم الالتزام بالدفع وإلى التصرف بطريقة غير لائقة مع سكان الأبنية، لتتحوّل بالتالي تصرّفات هذه الأقلية إلى سمة تُلصق بالسوريين، لا سيّما من المواطنين الأتراك الذين لم يحتكوا كفاية بالمجتمع السوري في تركيا.
وفي حين يبدو من القسوة بمكان مطالبة اللاجئين المشرّدين المنهمكين بتحصيل قوت يومهم بالتحرّك لتنظيم صفوفهم، إلا أنّ ثمّة مراقبين سوريين مقيمين في تركيا يرون قصوراً واضحاً في تعامل تنظيمات المعارضة السورية في تركيا مع مجتمع اللاجئين السوريين، لجهة التعامل مع المشكلة على أنّها مؤقتة، من دون العمل على دمج اللاجئين في المجتمع التركي مع الحفاظ على هويّتهم وتنظيمهم حتى يتمكّنوا من الاندماج ويعملون على تحسين صورة اللاجئ السوري في المجتمع المضيف.
اقــرأ أيضاً
بحفاوة استُقبل اللاجئون السوريون في تركيا على المستويَين الحكومي والشعبي، إلا أنّهم يتعرّضون بين الفينة والأخرى لحملات تمييزية تأتي في سياق السجالات السياسية الداخلية التركية. وتلك الحملات تكشف، في الوقت ذاته، جوانب عدّة من القصور في العلاقة بين المجتمع التركي والمجتمع السوري، سواء لجهة قلة التواصل بينهما أو للضعف الإعلامي التركي في تعريف الأتراك على المجتمع الجديد خارج الصورة النمطية للاجئ أو لقصور المجتمع السوري في إفراز قيادات تعمل بطريقة ممنهجة لتحسين صورة السوريين.
والحملة الأخيرة التي استهدفت السوريين بدأت بالتزامن مع توتّر في العلاقات على المستوى السياسي بين الحكومة والمعارضة، إثر مشاجرة بين شباب أتراك وآخرين سوريين على خلفية التقاط سوري صورَ فتيات عند أحد الشواطئ. لكنّ الأمور تصاعدت لتصل إلى حملة ممنهجة ضدّ السوريين تحوي أكاذيب عدّة، لم يوقفها إلا قتل مواطنَين تركيَّين امرأة سورية مع رضيعها في مدينة سكاريا بعد خطفها من منزلها واغتصابها. وقد أدّى ذلك إلى حملة تعاطف كبيرة.
أكاذيب بالجملة
يقول محمد أتاكان فوجا وهو ناشط معارض لما يسمّيه معاداة الأجانب، إنّ "الحملة المعادية للاجئين كانت للأسف مليئة بالأكاذيب. فقد تداولت خبر منح الحكومة التركية بطاقة بيضاء لكل لاجئ سوري تمكّنه من شراء ما يريد من المحلات التركية بتخفيض يبلغ خمسين في المائة. لكنّه بعد التحقق من الأمر، تبيّن أنّ تلك البطاقة يمنحها الهلال الأحمر التركي للاجئين السوريين في المخيمات فقط، وتؤمّن مساعدة بقيمة مائة ليرة تركية (30 دولاراً أميركياً) لكلّ واحد من أفراد العائلة، ولا يمكن استخدامها إلا في شراء الغذاء". يضيف أنّ "الحملة تداولت كذلك قيام بلدية قونيا بتوزيع رواتب على السوريين، ليتبيّن أنّ ذلك ليس سوى قسائم مساعدة للمحتاجين السوريين تُقدَّم لمرة واحدة وتحوي الواحدة منها ما بين 75 ليرة و250 ليرة (22 دولاراً - 71 دولاراً). وقد حُكِي في السياق نفسه عن قيام الدولة التركية بتغطية نفقات طفل الأنابيب باهظة الثمن للاجئين السوريين، لكنّ ذلك ليس صحيحاً. فالجهة التي تشرف على الخدمات الصحية المقدمة إلى السوريين هي وكالة الطوارئ والكوارث التابعة لرئاسة الوزراء ولا تغطي إلا العناية الصحية الضرورية، أي أنّها لا تشمل عمليات نقل الأعضاء ولا العمليات التجميلية ولا التدخلات الطبية المتعلقة بأطفال الأنابيب".
ويتابع فوجا إنّه "جرى تداول أخبار مفادها أنّ السوريين ينتسبون إلى الجامعات التي يرغبون فيها بالإضافة إلى حصولهم على مخصصات من الحكومة التركية من دون حاجة إلى الخضوع لأي امتحانات دخول بخلاف الأتراك. لكنّ هذا مخالف للواقع، إذ يخضع السوريون للمعايير نفسها التي يخضع لها الطلاب الأجانب في تركيا لا سيّما في ما يخصّ المنح، في حين يتلقون مساعدة من برنامج مموّل من الاتحاد الأوروبي".
ويتحدّث فوجا كذلك عن "صورة متداولة لمجموعة من السوريين يقفون في طابور أمام أحد مراكز البريد التركي لاستلام رواتبهم من الدولة التركية. أمّا الحقيقة فهي إنّهم كانوا ينتظرون دورهم للحصول على 50 ألف بطاقة تغطّي الأمم المتحدة تكاليفها وتُقدَّم لـ 250 ألف شخص لمرّة واحدة. وتتراوح قيمتها ما بين 600 و900 ليرة كمساعدات لفصل الشتاء (الماضي) وليس للدولة التركية أي علاقة بها". ويشير إلى "ضرورة أن تكون المؤسسات التركية والعالمية المعنية بشؤون اللاجئين أكثر شفافية في ما يخص إيصال المعلومات إلى المجتمع التركي حول المساعدات التي تقدّمها للاجئين"، مشدداً على أنّ "ثمّة نقصاً يتعلق في المواكبة الإعلامية لنشاطات المجتمع السوري في تركيا وإجراءات الدمج وغير ذلك".
اتهامات باطلة
الفرق واضح بين تعامل الحكومة التركية مع موضوع اللاجئين السوريين وتعامل حكومات دول الجوار الأخرى، بالتالي وحرصاً على السلم الأهلي، رفض جميع المسؤولين الحكوميين الأتراك الحملة التي تستهدف السوريين. فحذّرت وزارة الداخلية التركية منها وراحت تشنّ حملات ضدّ الحسابات الناشطة في تلك الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورداً على الاتهامات التي حمّلت اللاجئين السوريين مسؤولية ارتفاع نسب الجريمة في البلاد، أوضحت الداخلية التركية في بيان لها أنّ نسبة انخراط اللاجئين السوريين في المشاكل في البلاد متدنية بالمقارنة مع إجمالي الجرائم في تركيا، ومع الأخذ بعين الاعتبار عدد اللاجئين السوريين الموجودين على الأراضي التركية. فقد بلغت 1.32 في المائة تقريباً من إجمالي المشكلات والحوادث التي وقعت في البلاد خلال الفترة الممتدة بين عامَي 2014 و2017. إلى ذلك، أفادت بتراجع عدد الجرائم التي ارتكبها السوريون، خلال النصف الأول من العام الجاري، بنسبة خمسة في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، على الرغم من زيادة عدد اللاجئين داخل الأراضي التركية.
إدراك خاطئ
من جهته، يشير المدير العام لجمعية التضامن مع اللاجئين والمهاجرين، إبراهيم فورغون كافلاك، إلى "إدراك خاطئ يتعلق باللاجئين في المجتمع التركي". ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّه "عندما يسمع أيّ مواطن تركي كلمة لاجئ، فإنّ أوّل ما يخطر له هو أنّ اللاجئ فقير وغير متعلم ويتسبب في عدم الاستقرار وفي مشكلات عدّة. لذلك نسمع الجمل التقليدية عندما يرى أحدهم لاجئاً على شاطئ البحر: هل هذا هو اللاجئ الذي يتحدثون عنه ويحتاج إلى المساعدة؟!". يضيف كافلاك: "لكنّ هذه الصورة خاطئة. على سبيل المثال ألبرت أينشتاين كان لاجئاً، وكذلك إبراهيم متفرقة وهو أوّل من أدخل المطبعة إلى الدولة العثمانية. وقد ساهم أكاديميون لاجئون كثر في إعلاء شأن الجامعات التي نراها اليوم في تركيا. في المحصلة، اللاجئ يأتي بمعارفه وعلمه وتجاربه وأمواله كذلك".
إلى ذلك، لا تجد أوزثروت تأثيراً كبيراً لإعلان الحكومة التركية نيّتها منح المواطنين السوريين من ذوي التأهيل العالي أو أصحاب رؤوس الأموال الجنسية التركية، مشددة على "ضرورة تطوير برامج حكومية خاصة بموضوع عملية الدمج التي تُعَدّ واحدة من أصعب العمليات الاجتماعية". وتستشهد بالمشكلات الكبيرة التي ما زالت تعتري عمليات الدمج في المجتمعات الأوروبية، على الرغم من تجربتها الكبيرة في هذا المجال. وهو الأمر الذي يؤكده كافلاك: "لقد ناقشنا بما فيه الكفاية ضرورة وضع برامج للرعاية بالعجزة والمعوّقين والأطفال من اللاجئين وتلبية احتياجاتهم التعليمية. لكنّنا بينما نعمل على هذه الخطط، علينا أن نعرف أنّ عملية الدمج هي عملية باتجاهَين. من جهة، لا بدّ من تقدم الدعم للاجئين السوريين بعملية الدمج، لا سيّما في مجال تعلم اللغة التركية. من جهة أخرى، لا بدّ من العمل على تغيير وعي المجتمع التركي حول اللاجئين وتقبّله الأجانب".
ويبدو أنّ الشعارات التي أطلقها السياسيون الأتراك من قبيل "نصرة المظلومين" لحثّ المواطنين الأتراك على التعاطف مع اللاجئين السوريين استُهلِكت، وهو الأمر الذي تشير إليه أوزثروت: "أظنّ أنّ صلاحية صفة المظلوم انتهت. ما يهمّ اليوم هو التركيز على المساهمات التي أتى بها السوريون في بلادنا على المستوى الثقافي وكذلك الاقتصادي والسياسي. فكلّ وافد هو إثراء، ولا بدّ من تعريف المجتمع التركي بالوافد بطريقة جيدة ومن ثمّ تعريف اللاجئ على المجتمع المضيف. والباقي يأتي وحده".
وتدعو أوزثروت اللاجئين السوريين إلى "مزيد من التفاعل والفاعلية في موضوع الاندماج، عبر إقامة حوارات مع الأتراك. كذلك على السوريين الذين تمكنوا من تحقيق نجاحات على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أن يتحمّلوا مسؤولية تجاه السوريين الآخرين ويساعدوهم. فأيّ جهد ولو صغير من الممكن أن يكون تأثيره كبيراً". وفي ما يتعلّق بالقصور الإعلامي بمتابعة موضوع اللاجئين، تقول أوزثروت إنّ "الإعلام كارثة أخرى".
اللاجئون مسؤولون
في السياق، يؤكد مراقبون سوريون على أنّ ثمّة جزءاً من المسؤولية تقع على بعض اللاجئين. فكثيرون منهم ونتيجة تمزّق نسيجهم الاجتماعي، يتّجهون إلى التصرّف في أحيان كثيرة من دون أيّ رادع أخلاقي. فيعمدون مثلاً إلى إتلاف المنازل التي يستأجرونها وإلى عدم الالتزام بالدفع وإلى التصرف بطريقة غير لائقة مع سكان الأبنية، لتتحوّل بالتالي تصرّفات هذه الأقلية إلى سمة تُلصق بالسوريين، لا سيّما من المواطنين الأتراك الذين لم يحتكوا كفاية بالمجتمع السوري في تركيا.
وفي حين يبدو من القسوة بمكان مطالبة اللاجئين المشرّدين المنهمكين بتحصيل قوت يومهم بالتحرّك لتنظيم صفوفهم، إلا أنّ ثمّة مراقبين سوريين مقيمين في تركيا يرون قصوراً واضحاً في تعامل تنظيمات المعارضة السورية في تركيا مع مجتمع اللاجئين السوريين، لجهة التعامل مع المشكلة على أنّها مؤقتة، من دون العمل على دمج اللاجئين في المجتمع التركي مع الحفاظ على هويّتهم وتنظيمهم حتى يتمكّنوا من الاندماج ويعملون على تحسين صورة اللاجئ السوري في المجتمع المضيف.