عن نيتشه والحصان وتعذيب الحيوانات

20 سبتمبر 2015
(Getty)
+ الخط -
"يخرج الفيلسوف الألماني، فريدريك نيتشه، من منزله في تورينو/إيطاليا، في الثالث من كانون الثاني/يناير 1889. وفي مكان ليس بعيداً عنه، أو هو بعيد في الحقيقة، يعاني سائق عربة إيجار من حصانه العنيد، وعلى الرغم من كلّ إلحاحه إلّا أنّ الحصان يأبى أن يتحرّك، وعندئذ يفقد السائق صبره، ويخرج السوط ليجلده. يصل نيتشه إلى هذا المكان، ويضع حدّاً لهذا المشهد الوحشي، فيقفز فجأة إلى العربة، وعلى الرغم من مظهره القاسي، يحيط نيتشه رقبة الحصان بكلتا يديه، ويأخذ في البكاء، فيأخذه جاره إلى المنزل، حيث يستلقي لمدّة يومين على الأريكة صامتاً وهادئاً، حتى يتمتم أخيراً بآخر كلماته "أمّاه، أنا أحمق"، عاش نيتشه بعد ذلك عشر سنوات أخرى مضطرباً وهادئاً في رعاية أمه وإخوته، أما الحصان فإننا لا نعلم عنه شيئاً".

في بداية العام الحالي، صوّرت عناصر شرطة بلدية إحدى بلدات جبل لبنان تعذيب حمار على يد عدد منهم. استمرت "حفلة التعذيب" لساعات طويلة، تخلّلها ضرب بالحجارة، وسحل في الشوارع بواسطة سيارة البلدية، قبل إعدامه شنقاً. وفي حادثة أخرى، ربط شاب في إحدى بلدات الجنوب كلباً صغيراً بالحبال، ورفعه على الحائط، وعذّبه مستخدماً أسلاكاً كهربائية وحذاء وقنينة مياه، واستمرّ في الضحك طوال مدّة التسجيل.

وضع أيضاً أحد المراهقين قطة أليفة في جهاز التسخين الكهربائي (مايكروويف)، وصوّر المشهد. واعترف، منذ فترة، الطالب السابق في الجامعة الأميركية في بيروت عن جرائم قتل متسلسلة، استهدفت عشرات القطط التي تتكفل الجامعة بتربيتها في حرمها. وانتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر مجموعة من الرجال والأطفال، يعذّبون سلحفاة بحرية كبيرة، استطاعوا التقاطها على شاطئ مدينة صور، جنوب لبنان، ولم يكتفِ هؤلاء بتوثيق فعلتهم بفيديو، فالتقطوا صوراً تذكارية توثق "إنجازهم" هذا، وأخيراً انتشر فيديو يظهر فيه شابان يطلبان من طفل أن يرمي قطة صغيرة من الطابق الرابع، مقابل عشرة دولارات أميركية، وبعدها يعدّ الشابان حتى الرقم ثلاثة، قبل أن يدفع الطفل القطة من على الشرفة لتسقط على الأرض من دون أن يُعرف ماذا حل بها.

الغريب أن يتعامل الكثيرون مع الموضوع، كأنه ليس ضمن الأولويات، مقارنة بموت الكثيرين في سورية واليمن والعراق... والغريب أيضاً أن تكون الأفضلية في هذه المقارنة دائماً للإنسان، باعتبار أن موت الكائنات الأخرى كلّها لا يساوي شيئاً مقابل موت الإنسان الذي سببه الإنسان أيضاً في كلّ تلك البلاد. لسنا هنا في صدد مناقشة "من يهمّ موته أكثر"، لأن لا معنى للمقارنة أصلاً هنا، ولأنّ القاعدة، في حالة المقارنة، في هذه الحالة لا تقوم على سؤال هل يفكرّ الحيوان، أو يحلّل، إنّما على أساس أنّه يشعر، وبالتالي يتعذّب، وهذا هو المبدأ الأول لمناقشة أي موضوع.

أمّا في الجانب الذي يعني الإنسان بشكل مباشر، فوجدت أحدث الدراسات أنّ هناك ارتباطاً بين سوء معاملة الحيوان والعنف الأسري والأشكال الأخرى من العنف الاجتماعي، وتشير الأبحاث المتراكمة حول الموضوع إلى أنّ الأشخاص الذين يمارسون العنف مع الحيوانات، سيمارسون، على الأرجح، العنف ضد البشر. كما أنّ معظم القَتَلة والأشخاص الذين يمارسون العنف ضدّ أزواجهم أو ضدّ أطفالهم، مارسوا العنف ضدّ الحيوانات في الماضي، فـ"قتل وتعذيب الحيوانات سيجعل من هؤلاء، بالتدريج، كائنات تمارس العنف ضد البشر، وهؤلاء الذين يستمتعون بمعاناة ودمار المخلوقات لن يستطيعوا أن يكونوا عطوفين تجاه أبناء جنسهم"، كما يقول الفيلسوف الإنكليزي جون لوك.

وبالعودة إلى نيتشه الذي مجّد القوة طوال حياته، واستخدمت بعض آرائه من قبل أيديولوجيي الفاشية، وتبنَّت النازية أفكاره، والذي قال إنّ الرحمة ستؤدي إلى تضاعف أعداد الضعفاء والمهازيل، كان عطفه الإنساني على حصان منهك القوى سبباً لجنونه، وليكتشف في نهاية حياته أنه "عاش أحمق". نيتشه نجح في آخر حياته في الامتحان الأخلاقي للإنسانية، إذ إنّ "الامتحان الأخلاقي للإنسانية، الامتحان الأكثر جذرية، والذي يقع في مستوى أكثر عمقاً بحيث إنه يخفى عن أبصارنا، هو في تلك العلاقات التي تقيمها مع من هم تحت رحمتها، أي الحيوانات.. وهنا تحديداً يكمن الإخفاق الجوهري للإنسان، الإخفاق الذي تنتج عنه كل الإخفاقات الأخرى". لذا، فإنّه طالما أن البشر لا يزالون يعذبون الحيوانات، ويقتلونها، فهم لن يتورعوا عن قتل البشر أيضاً، وهذا هو النقاش الأولّ والأهمّ.

 


اقرأ أيضاً: متحف "سلفادور دالي" في برلين: السريالية للجميع



المساهمون