عن ناجي العلي ...

04 سبتمبر 2014

ناجي العلي ... رفاته ينتظر مغادرة لندن إلى فلسطين

+ الخط -

في السنوات الأخيرة من حياته، رسم ناجي العلي ونشر في الصحف العربية كاريكاتيرات نقدية، طالت كل الرموز الفلسطينية. فإلى الرسوم المتعددة التي تناولت ياسر عرفات، بشخصه وبسياسته، التي لم تكن تعجب ناجي العلي في رؤيته الوطنية القصوى والطبقية المنحازة إلى الفقراء وأبناء المخيمات، انتقد محمود درويش برمزيته الثقافية، وموقعه القريب من قيادة عرفات، وانتقد المؤسسات، ومنها مؤسسة الرئاسة الفلسطينية ورئاسة الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين. وطبعاً، لم يترك نظاماً عربياً خارج النقد. وفي المرحلة الأخيرة من غضبه العارم هذا، تناول برسوماته النقدية قائداً فلسطينياً، لطالما أحبه ناجي نفسه، ووضعه في المقام الأرفع فوق كل نقد، وذلك لمعرفته الشخصية القريبة منه، والنضال معه في صفوف حركة القوميين العرب، وأقصد هنا الراحل الدكتور جورج حبش، وبدا كأن ناجي في نقده حبش ينتفض على تاريخه وعلى نفسه.
 في الشهور الثمانية الأخيرة من وجودي في لندن، إلى مايو/أيار 1986، وكان ناجي قد استقر في لندن، بعدما صار صعباً عليه العودة إلى بيروت، أو الذهاب إلى الكويت التي عاش فيها زمناً طويلاً في بدايات عمله في الخمسينيات والستينيات. كنت ألتقي ناجي يومياً، ليس فقط بحكم عملي صحافياً في مكتب جريدة الخليج الإماراتية التي كان، إلى جانب جرائد أخرى، ينشر فيها رسوماته، بل، أيضاً، لصداقتنا الشخصية والعائلية، الممتدة من مخيم عين الحلوة الذي عشنا فيه. كان ناجي يرسل للجريدة عدة رسومات في الوقت نفسه، ويترك الحرية لإدارة التحرير، لكي تختار ما يناسبها. وكان لمقابلةٍ أجريتها مع ناجي في 1981، ونشرت في صحيفة الشعب المقدسية، أثر وجداني جميل على ناجي الذي أحس أنه عاد إلى فلسطين، كما قال لي في المقابلة، وهذا ما عمّق صداقتنا.
في الشهور الأخيرة من حياته، تعرض ناجي لغضب شديد من الدوائر والمؤسسات الفلسطينية، وليس من ياسرعرفات وحده، بل غضب منه من ناضل معهم سنوات في حركة القوميين العرب، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لاحقاً. وأخبرني ناجي، في لندن، أن مكالمة هاتفية تحمل تهديداً له جاءته في الآونة الأخيرة من بسام أبو شريف الذي كان أحد قياديي الجبهة الشعبية سنوات طويلة، قبل أن (يسرقه) ياسر عرفات منها، ويعينه مستشاراً إعلامياً وسياسياً له. في ذلك اليوم من عام 1986 في مكتب صحيفة الخليج، كان ناجي قلقاً، وهو يخبرني أن بسام قال له، بالحرف الواحد، تعليقاً على كاريكاتور ينتقد فيه جورج حبش: تجاوزت كافة الخطوط الحمر يا ناجي. اسكت!
فسألته عمّا سيفعله، فقال: اتصلت بأبو ماهر اليماني (من قادة الجبهة الشعبية، ويحترمه الجميع في الساحة الفلسطينية، لنقائه الوطني وطيبته وأخلاقه ودماثته)، وقلت له بسام عم يهددني، وأنت بتعرف يا أبو ماهر إني بعرفش أسكت. ثم أضاف إن أبو ماهر وعده أن يبحث الأمر مع الحكيم (جورج حبش) وبسام أبو شريف.
في أيار/مايو 1986، كان لقائي الأخير مع ناجي في لندن، فقد منعت، بعدها، من دخول بريطانيا عشرين عاماً، واغتيل بعد نحو عام من رحيلي. كانت عائلته تود دفنه في قريته الشجرة في فلسطين المحتلة، لكن القانون الإسرائيلي يمنع دفن غير اليهودي ضمن حدود دولة إسرائيل إذا ما مات خارجها. ولذا قررت العائلة أن تدفنه في مخيم عين الحلوة، المكان الذي أحبه وعاش فيه بدايات اللجوء، وبداية علاقته بالفن، لكن الخلافات الفلسطينية الفلسطينية التي تفجرت في لبنان، نتيجة اغتياله، جعلت عائلته تقرر دفنه في لندن (دفن أمانة)، كما جاء في بيان العائلة، إلى أن تتغير الظروف، وينقل رفاته إلى قريته الشجرة في فلسطين.

 


 

8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.