يتعرض ألاف المصريين لأقسى ظروف الحبس والاعتقال. حكايات كثيرة وقصص إنسانية داخل كل بيت افتقد عائله أو غاب ابنه سجينًا يعاني ما يعانيه؛ حكايات من الواقع الأليم ليس فيها خيال، رغم أنها تبدو لمن لا يعرف التفاصيل وكأنها، قصة خيالية أو عمل درامي.
زوجة محمد حلفاية، تروي قصة اعتقال زوجها، مدير مدرسة الدعوة الإسلامية ببني سويف، قائلة:" تم اعتقاله يوم 20 أغسطس/ آب الماضي. خرج يوم الاثنين وكان صائما وقال لي سأفطر في المدرسة، واتصلت به الواحدة بعد منتصف الليل لأعرف سبب تأخيره، فقال لي إنه سهران مع المدرسين والعمال لمواجهة البلطجية الذين يعتدون على المدرسة ويحاولون سرقة أدوات المعمل وأجهزة الكمبيوتر".
وتضيف لـ"العربي الجديد":" عندما استيقظت في السابعة صباحًا عرفت أن الأمن توجه للمدرسة واعتقل كل من فيها بدلًا من أن يحميها. تعبت حتى تمكنت من معرفة مكانه، وابني موسى مطاردُ أيضًا، حتى إنني لا أعرف مكانه".
وعن تهمته، تقول الزوجة:" لفقوا لهم تهمة حيازة السلاح"، ثم تنهمر الدموع من عينيها وهي تقول: "يقولون عنه إرهابي. أنا متزوجة من 27 سنة وهو رجل بمعنى الكلمة. وأب حنون حفظ أولاده القرآن، حريص على أن يتعلموا جيدا، لم يتدخل في تحديد أي اتجاه لابنه، أب ديمقراطي وليس متسلطا. أولادي كل واحد منهم له معاناة، والدته عندها 90 سنة، يوميا كان يسأل عنها ويزورها وهي تفتقده، أخوه الوحيد فقد سنده الكبير".
وتواصل:" زوجي يحبه كل الناس، وقدم خدمات للجميع، وكان مسؤول البر ويوزع على الفقراء، ويسهر على المساكين واليتيم والأرملة، ويصالح الغاضبين. وهبه الله سعة صدر وسعة أفق، حتى (الفلول) يحبونه ويقولون إلا محمد حلفاية".
أما ابنه سعد فيقول:" بالنسبة لي أب وأخ وقدوة وأستاذ، إنسان مثقف واعٍ حتى عندما يقسو، لأجل مصلحتي وبعدها يصالحني، لم أتصور أن أفتقده، لا أخفي أنني أصبت بانهيار عندما قرأت أول خطاب منه من السجن. كيف يعاملونه هكذا وهو المتواضع في تعامله مع الجميع، والذي عودنا الرفق في تعاملنا مع البشر في حين نجده يحرم في محبسه من أبسط حقوقه كإنسان؛ فلا يتمتع بالتريض لمدة كافية ويظل هو ومن معه رهن الزنزانة طوال ساعات الليل والنهار، فلا يخرج منها إلا لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم".
ابنته جنات تردد "حسبي الله ونعم الوكيل"، مضيفة: "ربنا يفك كربه، إن كان يشعر بالضيق في سجنه، فأنا أشعر بضيق أكثر منه"، ولم تستطع أن تكمل حديثها بعد أن غلبتها دموعها على أب مثالي ومعلم فاضل يشهد له الجميع بحسن الخلق والسمعة الطيبة.
أما أشرف محمود إسماعيل فهو يمثل مأساة متعددة الجوانب؛ فهو وإخوته ضمن من شملهم الحكم الصادر بإعدام أكثر من 500 شخص في أحداث المنيا دون ذنب اقترفوه. هو "أرزقي على باب الله" يبلغ من العمر 44 عامًا، زوجته تعاني المرض وأطفاله كذلك مرضى وكان السند الوحيد للأسرة.
تحكي زوجته ظروف القبض عليه فتقول: "نعيش بضواحي الجيزة، وذهبنا للمنيا في العيد الذي تم فيه فض اعتصام رابعة. كنا في المنيا، وكان أشرف أمام البيت يشرب الشاي، وفوجئت بابني يدخل باكيا ويقول: "قبضوا على والدي"، وقبل أن أخرج للشارع هجم أفراد الأمن على البيت وفتشوه، لم يجدوا شيئا وعرفت بعدها أنهم قبضوا على إخوته الثلاثة".
وتضيف:" زوجي لم يكن في اعتصام رابعة، لكنه ظل محبوسا. ظللت شهرين أحاول زيارته دون جدوى، حتى الطعام الذي كنا نحمله معنا كانوا يرفضون إدخاله، لم توجه له أي اتهامات، نقلوه للمنيا وانقطعت أخباره حتى صدر عليه حكم الإعدام".
وعن أول زيارة له في سجن الوادي الجديد، تقول زوجته: "ذهبت كل عائلات المحكوم عليهم معا. اتمرمطنا لغاية ما دخلنا، وفي الزيارة كله كان يبكي، وانتهت الزيارة بعد ربع ساعة فقط"، وتتابع باكية: "زوجي كان يتحمل مسؤوليتنا جميعا وينفق علينا، ابني أجرى جراحة لاستئصال الطحال، وابني الأخر أجرى عمليتين في عينيه وهو كان يتابع علاجهم".
وتحكي أخت زوجته: "كان يعيش في شقة صغيرة مكونة من غرفة وصالة بـ170 جنيها في الشهر. هل هذه أحوال شخص قتل أو نهب أو سرق، زوجته عندها الغضروف، وسافرت 13 ساعة حتى تزوره. أما أمه فحالها غاية في الصعوبة منذ سمعت بإعدام أربعة من أولادها في حكم واحد".
وبعيدًا عن الدموع، كان اللقاء مع نبوي حامد حسان الذي تحدث، وابتسامة الثقة تضيء وجهه، عن ابنيه المعتقلين حذيفة 22 سنة وعبد الرحمن 18 سنة. "قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، حذيفة حفظ القرآن وهو في سن الثامنة، وحصل على ليسانس ثم ماجستير، ولأنه متعدد المواهب فقد التحق بمعهد السينما وحتى الآن لا أعرف تهمته ولا يزال محبوسًا بلا جريمة.
أما عن نجله الآخر عبد الرحمن، فقد حفظ القرآن في سن التاسعة، ويقول الأب "قلقي عليه بلا حدود؛ فهو يعاني من مرض مزمن وتعرض يوم القبض عليه للتعذيب داخل قسم شرطة مدينة نصر حتى أغمي عليه. وقد تم إلقاء القبض عليه أثناء توجهه لأداء امتحان نهاية العام بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر".
ويواصل روايته قائلا "كان نجلي يستقل سيارة ميكروباص فطلب ضابط شرطة من الراكبين أن يظهروا بطاقاتهم، ولما رأى الضابط أن ابني طالب بالأزهر اعتقله ولم يرحم توسلاته بأن يتركه يتوجه لأداء الامتحان حتى لو وضعوا عليه حراسة".
الغريب كما يقول الوالد، أن وكيل النيابة استدعي للقسم بعد أن تعرض ابني للتعذيب، "وبدلًا من أن يثبت هذا التعذيب لفق لابني تهمة حيازة مطواة وقطع الطريق وهو الذي كان متوجهًا لامتحانه".