حكايات لبنانيين مغتربين تحتجز البنوك "شقاء عمرهم"

02 سبتمبر 2020
المودعون يواجهون قيوداً صارمة على ما يمكنهم سحبه من أموالهم(العربي الجديد)
+ الخط -

دأب نديم سرور، مثل كثيرين من اللبنانيين المغتربين، على تحويل مدخراته إلى بلده، لكي تكون سنداً له عند عودته من الخارج. غير أن قيمة ودائعه تهاوت وسط أزمة اقتصادية، كذلك دمر انفجار هائل في بيروت بيته.

قال سرور (43 عاماً) الذي عاد من الخليج مع زوجته وابنيه في سبتمبر/ أيلول 2019 قبل شهر من انهيار النظام المصرفي اللبناني، وقبل عام من انفجار المرفأ الذي دمر مساحة واسعة من بيروت، إن حياة أسرته انقلبت رأساً على عقب، ووصف ما حدث بأنه خراب حلّ بهم.

وحكاية سرور أبعد ما تكون عن حالة فريدة في بلد تراكم فيه جبل من الدين العام من أجل إعادة البناء بعد حرب أهلية استمرت من 1975 إلى 1990، واجتذب المدخرات بأسعار فائدة مرتفعة، غير أنه بدّد معظم ما لديه من سيولة، بفعل سوء الإدارة والفساد.

وفي العام الماضي انهار النظام الذي شبّهه بعض الاقتصاديين بمخطط احتيالي للاستيلاء على الأموال، لكن على مستوى الدولة. وأغلقت البنوك النوافذ في وجه أصحاب المدخرات من أمثال سرور الذي أصبح يواجه قيوداً صارمة على ما يمكنه سحبه من أمواله، في الوقت الذي هوت فيه قيمة هذه الودائع مع انهيار الليرة اللبنانية.

وقال سرور الذي رحل عن الإمارات بعد ركود حركة البناء هناك، وانضمّ إلى طابور العاطلين المتنامي في لبنان إنه لديه المال، لكن البنك لا يسمح له بسحبه، مشبهاً المدخرين الآن بالخراف المنساقة.

وفي يناير/ كانون الثاني قدّر أحد الوزراء معدل البطالة بما يفوق 35 في المائة. وقد ازدادت المصاعب الاقتصادية منذ ذلك الحين. وتفاقمت الأزمة بانفجار كمية هائلة من مواد شديدة الانفجار كانت مخزنة في أوضاع لا تراعي شروط السلامة بمخزن في مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس/ آب الماضي، فقتلت أكثر من 190 شخصاً، ودمرت بيوتاً كثيرة، منها شقة والدي سرور التي عاد للإقامة فيها، إلى أن يمكنه شراء بيت خاص.

وساعدت جمعية خيرية سرور في إيجاد شقة ببيروت تقيم فيها أسرته، فيما انتقل والداه وشقيقه العاجز عن العمل، بسبب إصابة ألمّت به في طفولته خلال الحرب الأهلية، إلى الجبل الذي يُعَدّ ملاذاً في أوقات الاضطراب في لبنان.

مدخرات مجمدة

أصبحت مدخرات سرور مجمدة منذ عامين بموجب صفقة تتيح له تحويل أمواله بالليرة اللبنانية إلى دولارات. لكن لا يمكنه السحب إلا بسعر صرف يبلغ 3900 ليرة للدولار، أي أقل كثيراً من سعر السوق الحرة الذي بلغ 8000 ليرة. وكان سعر صرف العملة اللبنانية مقابل الدولار قبل الأزمة 1500 ليرة.

وتقيّد البنوك أيضاً حجم الأموال التي يمكن أصحاب المدخرات سحبها، وقال سرور إنه يضطر الآن إلى الوقوف في طابور خارج البنك، على أمل أن يصيبه الدور. ولم تصطبغ هذه الضوابط بصبغة رسمية باعتبارها قيوداً على الأموال، كذلك قال مصرف لبنان المركزي إن حجم الودائع لن يخضع للتخفيض.

غير أن مثل هذه التعليقات لا تبث طمأنينة تذكر في نفس سرور أو والده موريس الذي أعاد تكوين مدخراته من قبل بعد أزمة العملة في الثمانينيات. ورغم ما يملكه من مال مودع في البنك، لكن لا يمكن أسرته أن تسحب إلا ما يعادل ألف دولار في الشهر.

وقال موريس سرور إن البنك لا يسمح له بسحب ماله، حتى إذا كان يريد استخدامه في إصلاح بيته. وقد أصدر مصرف لبنان المركزي تعليمات للبنوك لتقديم قروض حسنة بالدولار للمساعدة في هذه الإصلاحات، غير أن الاقتراض لا يفيد من لا يملكون مرتباً ثابتاً.

وقال سمير صفير، المتقاعد البالغ من العمر 75 عاماً، والذي أُصيب بجروح في ذراعيه في انفجار المرفأ إنه لا يريد قرضاً، بل يريد ماله، ولا يمكنه سحب سوى 700 دولار شهرياً من البنك، واضطر للجوء إلى سخاء أصدقائه لمساعدته في إعادة بناء بيته.

أما جو نادر (48 عاماً) الموظف في أحد البنوك، والذي يمتلك عقاراً، فيعمل على إصلاح مبنى من الشقق المفروشة فيه 13 مستأجراً. لكنه يواجه صعوبات في تدبير الدولارات التي يطلبها الموردون. وقال إن أسرته تبيع ممتلكاتها من ذهب وسبح ولوحات لتدبير ما يحتاج إليه من دولارات. وبالنسبة إلى البعض من أمثال سرور، يُعَدّ ذلك تذكرة بالأسباب التي دعته في الماضي للسفر إلى الخارج. فقد قال إنه سيسافر من جديد على الفور إذا واتته الفرصة.

(رويترز)

المساهمون