اتهامات عديدة بالغدر وعدم مراعاة العشرة والعيش والملح يطلقها فنانون يشعرون بالقهر لأنّهم حين كانوا أقوياء وفي عزّ عطائهم كانت تنهال عليهم مئات الاتصالات والعروض، وحين دهمهم المرض، ركنهم الوقت، أو قل ركنهم المنتجون والمخرجون، والأنكى: ركنهم أصدقاؤهم "على الرفّ". كما لو أنّهم خيول الحكومة، التي ترميهم بالرصاص حين يكبرون.
فمن ينسى جورج سيدهم؟
هذا العملاق الكوميدي الذي لطالما احتلت صورته أفيشات السينما المصرية وشكّل مع سمير غانم والراحل الضيف أحمد ثلاثي أضواء المسرح ببراعة. كم أضحك الكثيرين هذا الباكي الآن الذي يجلس على مقعد متحرّك دون أن يبالي زملاؤه به؟ وكم اشتكت زوجته الدكتورة ليندا من تجاهل الوسط الفنّي له حتى أنّ سمير غانم، أقرب أصدقائه، أو بمعنى أصحّ كان من المفترض أنّه أقرب أصدقائه، تخلّى عنه فلم يهاتفه سوى على مضض من باب إثبات الوجود ليس أكثر. وحتّى في المرّة الوحيدة التي حاولت زوجته أن تجمع أصدقاءه من حوله في يوم عيد ميلاده لترفع معنوياته، تخلّى عنه الجميع ولم يحضر منهم إلا الفنانة الكبيرة نادية لطفي، فانتكس جورج أكثر.
وهناك الفنان الكوميدي سيّد زيّان الذي لطالما أضحك الحجر. الآن يبكي دون أن يجد يدا تجفّف دموعه، بعدما كان يملأ الدنيا فرحا وضجيجا بخفّة ظلّه.
ابنته إيمان قالت لـ"العربي الجديد" إنّ "هناك من الفنانين من يسأل عنه، لكن على فترات متباعدة من باب تأدية الواجب فقط. فعادل إمام سبق أن التقيته صدفة، فلم يفعل أكثر من أنّه ربّت على كتفي وقال لي: ربّنا يشفيه".
عادل إمام، أحد أثرى أثرياء الفنانين، مالك القصور والأرصدة في البنوك، أليس منطقيا السؤال: لماذا لم يعرض على ابنة سيّد زيّان مالًا لعلاج والدها الذي يعاني شللا يجلسه على مقعد متحرّك؟ ولماذا لم يعرض الفنان الملقّب بـ"الزعيم" على سيّد زيّان أن يظهر وإن في دور شرفي في أيّ من أعماله، بصرف النظر عما إذا كان سيّد سيقبل أم لا. فقط من باب التقدير لهذا الفنان الكبير الذي أضحكنا وحين بكى لم يجد من يُضحكه.
أيضا الفنان سعيد صالح مريض. واحترقت شقته بكلّ ما تحتويه من أثاث ولم يسأل عنه أحد. فقط بعض الاتصالات التليفونية لحفظ ماء وجه المتّصلين. كما فعل نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور وبعض أعضاء النقابة الآخرين. لكن هل حصل سعيد صالح على شقّة؟ وهل حصل على تعويض من النقابة له على ما ابتلاه به الله؟ بالطبع لا.
والفنان الكوميدي سعيد صالح لم يعد فقير المال فحسب، بل بات فقير الدم. فهو يعاني من مرض يجبره على نقل دم بشكل مستمر، وقد تكفّلت به القوات المسلحة المصرية أخيراً.
وأخيراً وجّه الناقد المصري طارق الشنّاوي نقدا عنيفا باتجاه الفنان عادل إمام على خلفية تجاهله صديق عمره سعيد صالح، فوصفه بـ"الزعيم الملياردير الأونطة". وحين نشر طارق كلامه على حسابه الرسمي على الفايسبوك علّقت الفنانة المغربية رشيدة، زوجة الفنان الراحل عمر الحريري، فكتبت: "عادل إمام إنسان لا يعيش إلا لنفسه ولم يكلّف نفسه ولو بمكالمة لتعزيتي بوفاة زوجي".
ويعيش حاليا النجم محمد أبو الحسن بلا عمل. هو الذي يُعدّ من أبرز نجوم الكوميديا في مصر، وقدّم مسرحية "سكّ على بناتك" الشهيرة، إلى جانب الفنان الراحل فؤاد المهندس. ولا أحد يسأل عنه. له ظهور وحيد في مسلسل "ما زلت آنسة"، مع إلهام شاهين، في دور لا يليق به نهائيا.
فنانون آخرون تذوّقوا مرارة المرض ورحلوا دون أن يشعر بهم ودون أن يواسيهم أحد في رحلة مرضهم. منهم الفنان فاروق نجيب الذي توفي قبل أشهر. وقبل وفاته بعث رسالة صوتية عبر عدد من القنوات الفضائية، وهو على سرير المرض في أحد المستشفيات، حيث عانى لسنوات من فشل كلوي مزمن. رسالة شكوى من غدر الوسط الفني كانت مريرة: "ما حدّش بيسأل عنّي خالص غير منير مكرم". وذهب فاروق في نوبة بكاء هيستيري على الهواء.
هو الحال نفسه بالنسبة للفنان الراحل نظيم شعراوي الذي مات في صمت، لكنّ صراخ الوحدة كان مدوياً شعر به كلّ من حوله، إلا الذين كان يفترض أنّهم مقرّبون منه.
ورحلت قبل أشهر قليلة الفنانة ليلى جمال بعد معاناة المرض مع مرض السرطان. وقد صرّحت مرارا بأنّها بلا عمل ولا أحد يعرض عليها أيّ عمل ولم يزرها أحد في مرضها... ولاحقا لم يحضر أحد جنازتها أو عزاءها.