13 فبراير 2022
عن ضحايا القمع في منطقتنا
أعمل على مشروع بحثي يدرس العلاقة بين القمع والذاكرة والعنف. وهو موضوع معقد من جوانبه البحثية والمنهجية، ولكنه غني من الجوانب المعرفية والإنسانية. وعلى مدار الشهور الماضية، أنجزت عدة مقابلات مع مواطنين عرب تعرّضوا لأنواع مختلفة من القمع في السنوات الخمس الماضية من بلدان مختلفة، كمصر وسورية وليبيا واليمن. وكان بعض المقابلات بشكل متخصص لغرض البحث، وكان بعض آخر بشكل عابر وغير ممنهج، وإنما في سياقات غير رسمية.
كان السؤال الذي يشغلني: كيف تعايش هؤلاء الأفراد مع مسألة القمع وعنف الدولة في بلدانهم من جهة، وكيف أثرت هذه التجربة على رؤاهم وأفكارهم؟ ينتمي معظم من التقيت إلى تيارات سياسية وأيديولوجية مختلفة، ولكني ركزت على تجربة الذين ينتمون للتيارات الإسلامية بمختلف ألوانها. تعرّض بعضهم للاعتقال والسجن، وهرب آخرون من بلدانهم خوفاً من الاعتقال، وانخرط غيرهم في جماعات وحركات مقاومة للنظام السياسي في بلادهم، كما الحال مع السوريين واليمنيين.
دعك من الجانب البحثي، والذي سينشر قريباً في دراسةٍ بحول الله. ما يهم هنا هو الجوانب النفسية التي يعيشها هؤلاء الضحايا الذين تعرّضوا، ولا يزالون، لأقسى أنواع القمع في بلدانهم. فكثير ممن التقيتهم بحاجة إلى جلسات علاج نفسي، كي يبرأوا من تجربة القمع وآثارها. حكى لي أحدهم أنه يحضر هذه الجلسات منذ حوالي أربعة أعوام، ولكن لا فائدة، وأنه أوشك على الانتحار مرات. وحكى آخر عن معاناته مع النوم الذي يضطره يوميا لأخذ مهدئات. ودخل ثالث في حالة من الاكتئاب المزمن التي لا تفارقه، وأثرت علي عائلته وحياته. تمثل هذه الحالات الجانب الآخر للقمع في بلداننا، والذي لا يمكن تلمسه إلا بالمعايشة والاختلاط، فبالإضافة إلى المأساة السياسية التي يخلفها القمع علي المجتمعات العربية، بحيث يدفعها باتجاه العنف، سواء من خلال حرب أهلية، كما الحال في سورية وليبيا واليمن، أو باتجاه تشكيل جماعات وحركات راديكالية عنيفة، تستهدف الجميع من دون تمييز، كما الحال مع الدواعش وأشباههم، فهناك مآسٍ إنسانية يدفع ثمنها أناسٌ قد يكون ليس لهم دخل بالسياسة وصراعاتها. وهو ما يخلق مجتمعات مشوهة نفسياً، ولديها حالة ارتياب دائم من السياسة، وما يرتبط بها من قريب أو بعيد.
هؤلاء جميعاً هم ضحايا القمع في بلداننا، وهم أكثر من يدفع ثمن صراعات النخب السياسية والعسكرية والأمنية. وهذه ليست حالة استثنائية خاصة بمنطقتنا، وإنما وجدت أيضا في تجربة أميركا اللاتينية التي شهدت معدلاتٍ غير مسبوقة من العنف والقتل من الأنظمة السياسية تجاه المعارضين. وقد وثّق باحثون كثيرون هذه التجارب في بلدانٍ، مثل تشيلي والأرجنتين وكمبوديا وغواتيمالا...إلخ. فمن يقرأ عن العمليات التي كانت تقوم بها "فرق القتل" في هذه البلدان يكتشف حجم المآسي التي خلفتها، والتي لا تزال حاضرة في كثير منها، على الرغم من مرور عقود عليها. ولم يكن الانتقال الديمقراطي في هذه البلدان ممكنا بدون فتح جروح الماضي، ومحاولة تطهيرها وإغلاقها. وهو ما يجب أن يحدث في العالم العربي، ولعل توثيق تجارب ضحايا القمع في منطقتنا يعد مسؤولية تاريخية، ليس فقط لتفكيك منطق الظاهرة الاستبدادية في بلداننا وفهمها، ولكن أيضا لحفظ حقوق هؤلاء الضحايا مستقبلاً، وهو ما يجب أن يوضع على أجندة البحث في العالم العربي، في مجالات العلوم السياسية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية.
كان السؤال الذي يشغلني: كيف تعايش هؤلاء الأفراد مع مسألة القمع وعنف الدولة في بلدانهم من جهة، وكيف أثرت هذه التجربة على رؤاهم وأفكارهم؟ ينتمي معظم من التقيت إلى تيارات سياسية وأيديولوجية مختلفة، ولكني ركزت على تجربة الذين ينتمون للتيارات الإسلامية بمختلف ألوانها. تعرّض بعضهم للاعتقال والسجن، وهرب آخرون من بلدانهم خوفاً من الاعتقال، وانخرط غيرهم في جماعات وحركات مقاومة للنظام السياسي في بلادهم، كما الحال مع السوريين واليمنيين.
دعك من الجانب البحثي، والذي سينشر قريباً في دراسةٍ بحول الله. ما يهم هنا هو الجوانب النفسية التي يعيشها هؤلاء الضحايا الذين تعرّضوا، ولا يزالون، لأقسى أنواع القمع في بلدانهم. فكثير ممن التقيتهم بحاجة إلى جلسات علاج نفسي، كي يبرأوا من تجربة القمع وآثارها. حكى لي أحدهم أنه يحضر هذه الجلسات منذ حوالي أربعة أعوام، ولكن لا فائدة، وأنه أوشك على الانتحار مرات. وحكى آخر عن معاناته مع النوم الذي يضطره يوميا لأخذ مهدئات. ودخل ثالث في حالة من الاكتئاب المزمن التي لا تفارقه، وأثرت علي عائلته وحياته. تمثل هذه الحالات الجانب الآخر للقمع في بلداننا، والذي لا يمكن تلمسه إلا بالمعايشة والاختلاط، فبالإضافة إلى المأساة السياسية التي يخلفها القمع علي المجتمعات العربية، بحيث يدفعها باتجاه العنف، سواء من خلال حرب أهلية، كما الحال في سورية وليبيا واليمن، أو باتجاه تشكيل جماعات وحركات راديكالية عنيفة، تستهدف الجميع من دون تمييز، كما الحال مع الدواعش وأشباههم، فهناك مآسٍ إنسانية يدفع ثمنها أناسٌ قد يكون ليس لهم دخل بالسياسة وصراعاتها. وهو ما يخلق مجتمعات مشوهة نفسياً، ولديها حالة ارتياب دائم من السياسة، وما يرتبط بها من قريب أو بعيد.
هؤلاء جميعاً هم ضحايا القمع في بلداننا، وهم أكثر من يدفع ثمن صراعات النخب السياسية والعسكرية والأمنية. وهذه ليست حالة استثنائية خاصة بمنطقتنا، وإنما وجدت أيضا في تجربة أميركا اللاتينية التي شهدت معدلاتٍ غير مسبوقة من العنف والقتل من الأنظمة السياسية تجاه المعارضين. وقد وثّق باحثون كثيرون هذه التجارب في بلدانٍ، مثل تشيلي والأرجنتين وكمبوديا وغواتيمالا...إلخ. فمن يقرأ عن العمليات التي كانت تقوم بها "فرق القتل" في هذه البلدان يكتشف حجم المآسي التي خلفتها، والتي لا تزال حاضرة في كثير منها، على الرغم من مرور عقود عليها. ولم يكن الانتقال الديمقراطي في هذه البلدان ممكنا بدون فتح جروح الماضي، ومحاولة تطهيرها وإغلاقها. وهو ما يجب أن يحدث في العالم العربي، ولعل توثيق تجارب ضحايا القمع في منطقتنا يعد مسؤولية تاريخية، ليس فقط لتفكيك منطق الظاهرة الاستبدادية في بلداننا وفهمها، ولكن أيضا لحفظ حقوق هؤلاء الضحايا مستقبلاً، وهو ما يجب أن يوضع على أجندة البحث في العالم العربي، في مجالات العلوم السياسية والأنثروبولوجية والسوسيولوجية.