01 أكتوبر 2022
عن حق التصويت للمرأة في سويسرا
إذن، يبدو أن التيار العام من قوى المعارضة المصرية قد حسم أمره على المشاركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، ولكن كل ما عدا ذلك ليس محسوماً.
أحد أوجه الخلاف الرئيسية هي حول سقف المعركة، فبينما يرى بعضهم أن خطاباً إصلاحياً هادئاً هو الأوْلى لاجتذاب الناس، وعدم استعداء المؤسّسات، يتمسّك آخرون بأنه مادام الفوز مستحيلاً، فلتكن المعركة فقط لتجذير تيار وخطاب راديكالي شديد الثورية والعلمانية، يتوعد بمحاكمة العسكر، وإلغاء المادة الثانية من الدستور، حقوق المثليين، تأميمات للمصانع المغلقة...إلخ.
يواجه هذا الطرح عدة إشكالات، أولها في افتراض إمكانية الوصول لجُملة المكتسبات الغربية كاملة ومتزامنة. وبعيداً عن الجدل حول اختلاف المجتمعات والمسارات التاريخية، فإن الدول الغربية الليبرالية الحالية هي في الواقع نتاج ما بعد الحرب العالمية الثانية لا أكثر.
لعل من المدهش أن نعرف أن المرأة لم تُمنح المرأة حق التصويت في فرنسا إلا عام 1944، أي بعد أكثر من قرنين على الثورة التي نشرت في العالم شعارات الحرية والمساواه والتنوير! بل ظلت المرأة في سويسرا محرومةً من التصويت حتى عام 1971، على الرغم من أن الدولة جمهورية ديمقراطية منذ 1848!
لم ترفع الرابطة الأميركية للطب النفسي المثلية الجنسية من دليل الاضطرابات النفسية إلا عام 1972، واحتاج الأمر نضالاً استمر حتى عام 2003، لتلغي المحكمة العليا الأميركية قوانين حظر المثلية في 13 ولاية بقرار "لورانس في تكساس".
إذا كنا في مصر لم نصل أصلاً إلى نقطة الديمقراطية التمثيلية التي بدأ منها غيرنا، وإذا كنا مازلنا نحلم أن نغير المجتمع، لنصل فقط إلى نقطة منع جريمة ختان الإناث، فبأي منطقٍ يمكن أن توضع أعلى السقوف عناوين لحركة معارضة سياسية؟
لا يعني هذا أن يخالف أحد قناعاته أو أهدافه، أو التساهل مع قيم مجتمعية ترفضها، لكنه يعني ترتيب الأولويات، والتفكير بحسابات موازين القوى الواقعية، وتوزيع الأدوار.
الإشكالية الثانية أنه بالفعل كانت هناك فرصة في 2011 و2012 لطرح أعلى الأسقف الممكنة، ونشطت في ذلك الوقت مجموعات عديدة، كالاشتراكيين الثوريين، وغيرها، لكن لم يصل هذا الخطاب إلى قطاعاتٍ شعبيةٍ واسعة، كما لم يتم تشكيل هذا التيار المنشود. هل يعقل أن ما لم ينجح في وقت الانتصار وفتح المجال السياسي سينجح في وقت الهزيمة والانغلاق؟
الاشكالية الثالثة افتراض أن هذا الطرح الراديكالي وحده ما سيُشكل تنظيماً نقياً وصافياً، حتى لو كان تعداده لا يتجاوز بضع مئات، وهذا أفضل من جبهات واسعة تحمل تناقضاتها وبذور انقسامها. لكن، واقعياً ليس مدى تساهل الأيديولوجيا أو تطرّفها العامل الرئيسي في الحفاظ على التنظيم، وفي تجارب عديدة عانت تنظيماتٌ راديكالية يسارية وإسلامية، كبيرة أو صغيرة، من انشقاقات وانقسامات بلا نهاية.
الإشكالية الرابعة، إهمال التجارب العالمية، وعلى الرغم من الاختلاف المؤكد بين أي نموذجين، لكن ليس من المغالطة الوصول إلى نمط عام واسع. تخبرنا مراجعة تجارب التحول الديمقراطي غير الثوري أنه دائماً كان وسيط الانتقال في الدول الاستبدادية حزبا أو رئيسا أقرب للتوافقية أو عدم الاستعداء، هذه هي قصة البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، غامبيا.. إلخ. هذا فقط ما قد يُقنع أجنحةً من النظام وداعميه داخلياً وخارجياً بعدم مقاومة تيار التغيير.
الإشكالية الخامسة، تجاهل خسارتنا المتحققة بالفعل من نجاح خطة أعداء الثورة لترسيخ الفصل بين شبابها وعامة الشعب. أحد مستويات الخطاب كان أن هؤلاء الشباب ذوو نياتٍ طيبة، لكنهم مجموعة من المراهقين، لا خبرة لهم في إدارة الدول، ولا اهتمام لهم بحياة الناس، بينما يصل الهجوم، في مستويات أخرى، إلى توزيع اتهامات الانحلال الأخلاقي والمزايدات الوطنية.
وتزيد خطورة هذا النمط اليوم، بينما القوى الديمقراطية في أمسّ الحاجة للحاضنة الشعبية، بينما يتعرّض شبابها للحصار والاعتقال في ظل تواطؤ إعلامي.
نحن تحت الصفر، ونحتاج إلى أوسع جبهة سياسية وشعبية فقط للوصول إلى حلم الصفر، فلنحلم أن نصل من نظام مماليك القرون الوسطى إلى سويسرا عام 1848، ثم لنبدأ الخلاف من هناك.
أحد أوجه الخلاف الرئيسية هي حول سقف المعركة، فبينما يرى بعضهم أن خطاباً إصلاحياً هادئاً هو الأوْلى لاجتذاب الناس، وعدم استعداء المؤسّسات، يتمسّك آخرون بأنه مادام الفوز مستحيلاً، فلتكن المعركة فقط لتجذير تيار وخطاب راديكالي شديد الثورية والعلمانية، يتوعد بمحاكمة العسكر، وإلغاء المادة الثانية من الدستور، حقوق المثليين، تأميمات للمصانع المغلقة...إلخ.
يواجه هذا الطرح عدة إشكالات، أولها في افتراض إمكانية الوصول لجُملة المكتسبات الغربية كاملة ومتزامنة. وبعيداً عن الجدل حول اختلاف المجتمعات والمسارات التاريخية، فإن الدول الغربية الليبرالية الحالية هي في الواقع نتاج ما بعد الحرب العالمية الثانية لا أكثر.
لعل من المدهش أن نعرف أن المرأة لم تُمنح المرأة حق التصويت في فرنسا إلا عام 1944، أي بعد أكثر من قرنين على الثورة التي نشرت في العالم شعارات الحرية والمساواه والتنوير! بل ظلت المرأة في سويسرا محرومةً من التصويت حتى عام 1971، على الرغم من أن الدولة جمهورية ديمقراطية منذ 1848!
لم ترفع الرابطة الأميركية للطب النفسي المثلية الجنسية من دليل الاضطرابات النفسية إلا عام 1972، واحتاج الأمر نضالاً استمر حتى عام 2003، لتلغي المحكمة العليا الأميركية قوانين حظر المثلية في 13 ولاية بقرار "لورانس في تكساس".
إذا كنا في مصر لم نصل أصلاً إلى نقطة الديمقراطية التمثيلية التي بدأ منها غيرنا، وإذا كنا مازلنا نحلم أن نغير المجتمع، لنصل فقط إلى نقطة منع جريمة ختان الإناث، فبأي منطقٍ يمكن أن توضع أعلى السقوف عناوين لحركة معارضة سياسية؟
لا يعني هذا أن يخالف أحد قناعاته أو أهدافه، أو التساهل مع قيم مجتمعية ترفضها، لكنه يعني ترتيب الأولويات، والتفكير بحسابات موازين القوى الواقعية، وتوزيع الأدوار.
الإشكالية الثانية أنه بالفعل كانت هناك فرصة في 2011 و2012 لطرح أعلى الأسقف الممكنة، ونشطت في ذلك الوقت مجموعات عديدة، كالاشتراكيين الثوريين، وغيرها، لكن لم يصل هذا الخطاب إلى قطاعاتٍ شعبيةٍ واسعة، كما لم يتم تشكيل هذا التيار المنشود. هل يعقل أن ما لم ينجح في وقت الانتصار وفتح المجال السياسي سينجح في وقت الهزيمة والانغلاق؟
الاشكالية الثالثة افتراض أن هذا الطرح الراديكالي وحده ما سيُشكل تنظيماً نقياً وصافياً، حتى لو كان تعداده لا يتجاوز بضع مئات، وهذا أفضل من جبهات واسعة تحمل تناقضاتها وبذور انقسامها. لكن، واقعياً ليس مدى تساهل الأيديولوجيا أو تطرّفها العامل الرئيسي في الحفاظ على التنظيم، وفي تجارب عديدة عانت تنظيماتٌ راديكالية يسارية وإسلامية، كبيرة أو صغيرة، من انشقاقات وانقسامات بلا نهاية.
الإشكالية الرابعة، إهمال التجارب العالمية، وعلى الرغم من الاختلاف المؤكد بين أي نموذجين، لكن ليس من المغالطة الوصول إلى نمط عام واسع. تخبرنا مراجعة تجارب التحول الديمقراطي غير الثوري أنه دائماً كان وسيط الانتقال في الدول الاستبدادية حزبا أو رئيسا أقرب للتوافقية أو عدم الاستعداء، هذه هي قصة البرازيل، الأرجنتين، تشيلي، غامبيا.. إلخ. هذا فقط ما قد يُقنع أجنحةً من النظام وداعميه داخلياً وخارجياً بعدم مقاومة تيار التغيير.
الإشكالية الخامسة، تجاهل خسارتنا المتحققة بالفعل من نجاح خطة أعداء الثورة لترسيخ الفصل بين شبابها وعامة الشعب. أحد مستويات الخطاب كان أن هؤلاء الشباب ذوو نياتٍ طيبة، لكنهم مجموعة من المراهقين، لا خبرة لهم في إدارة الدول، ولا اهتمام لهم بحياة الناس، بينما يصل الهجوم، في مستويات أخرى، إلى توزيع اتهامات الانحلال الأخلاقي والمزايدات الوطنية.
وتزيد خطورة هذا النمط اليوم، بينما القوى الديمقراطية في أمسّ الحاجة للحاضنة الشعبية، بينما يتعرّض شبابها للحصار والاعتقال في ظل تواطؤ إعلامي.
نحن تحت الصفر، ونحتاج إلى أوسع جبهة سياسية وشعبية فقط للوصول إلى حلم الصفر، فلنحلم أن نصل من نظام مماليك القرون الوسطى إلى سويسرا عام 1848، ثم لنبدأ الخلاف من هناك.