لم تعد الأحلام قابلة للتحقّق في العراق، بالنسبة إلى الشباب الذين لجأ أفضلهم حظاً إلى خارج البلاد، سعياً وراء أهدافهم الكبيرة. أما الآخرون - وهم كثر - فقد أغرقهم اليأس، خصوصاً وقد حال فقر حالهم دون سفرهم، فركنوا أحلامهم جانباً ودفنوا مواهبهم.
بالنسبة إلى غيث طارق (22 عاماً)، البلاد "مقبرة الأحلام". ويخبر والده "العربي الجديد" أنه لم يستطع تأمين مجال لولده حتى يطوّر موهبته في علوم الإلكترونيات في داخل البلاد. ويقول إنه "نبغ في هذا المجال مذ كان في العاشرة من عمره. كان يصنع أجهزة بسيطة من مخلفات أجهزة أخرى. وأنا سعيت كثيراً حتى تتبنى مؤسسات حكومية أفكاره، لكنني لم أفلح". يضيف أن ابنه حصل على قبول في جامعة في الولايات المتحدة الأميركية، بالتالي "قررت دعمه للسفر وتحقيق طموحه. وعدته بأن أنفق عليه وألا أقف مكتوف اليدَين. من جهته، أعلمني أخيراً بأنه حقق نجاحاً ملفتاً ويعمل على مشروع تطوير أجهزة طبية". ويتابع الأب: "هو قرّر البقاء في أميركا بعد تخرجه، لأنه حظي بدعم من أساتذته".
الأمر ذاته ينطبق على النحات نبيل الحسناوي. هو كان يطمح إلى العثور على فرصة في العراق، تمكّنه من تحقيق طموحه. هو كان يحلم بأن تُنشر تماثيله في مدن العراق، خصوصاً بعدما وصفه فنانون كبار بـ "نحّات المستقبل". وإذ يشير الحسناوي إلى "إعدام المواهب الذي شاع في العراق"، يوضح لـ "العربي الجديد" أنّ ذلك هو ما دفعه إلى السفر قبل سبعة أعوام إلى إيطاليا ليتابع دراسته على حسابه الخاص. وبالفعل، تميّز بين أقرانه في خلال تخصّصه في إحدى الأكاديميات الفنية. لكنه يقول: "وحين عدت إلى بلدي، وجدت أن الفرصة تُعطى لمن لا يستحقها. فرجعت إلى إيطاليا".
ويجمع العراقيّون على أنّ ما يقف عائقاً أمام أحلام الشباب وطموحاتهم وما يتسبب في قتل مواهبهم، هو السياسات الحكومية. ويشير معنيون إلى أنّ "ما من مراكز تهتمّ بالمواهب والطاقات في البلاد، والفرص تذهب إلى غير مستحقيها".
اقرأ أيضاً: أجهزة كشف المتفجرات مصدر سخرية للعراقيين
إلى ذلك، يلفت الرائد علي السعدي من وزارة الداخلية العراقية، إلى أنّ "الحكومة العراقية لو استعانت بخبرات الشباب العراقيين، لتمكّنا من صناعة أجهزة متطوّرة تساعدنا في كشف المتفجرات وملاحقة الإرهابيين مثلاً". يضيف لـ "العربي الجديد" أنه "من بين عدد من الموهوبين الذين يقدّمون ابتكارات علميّة تساعد في تطوير العمل الأمني، أذكر أحدهم ابتكر روبوتاً يكشف السيارات المفخخة والعبوات الناسفة. اختبرناه وتأكدنا من أن هذا الجهاز يحافظ حتى على حياة رجال الأمن، لكن ما من جهة أمنية اهتمّت بهذا الابتكار العلمي المهم". ويؤكّد على أنّ "الدولة لو تبنت مثل هذا الموهوب، لحصلت على ابتكارات مهمة". ويتابع السعدي: "عرفت لاحقاً، أنّ شركات أجنبية تعاقدت مع هذا الشاب، وبذلك خسرنا موهبة كان يمكن الانتفاع منها".
من جهته، حاول خالد زهير مراراً الحصول على دعم لولده علي البالغ من العمر فقط 15 عاماً، من قبل جهات حكومية. ويخبر أن ابنه "وضع تصاميم أجهزة توليد كهرباء، ولديه مخططات وتجارب كثيرة في مجال الطاقة النظيفة، لكن جميعها بحاجة إلى دعم حكومي". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "تلك الجهات كلها، كانت تعطينا وعوداً ومن ثم ترمي اللائمة على عدم وجود تخصيصات مالية أو أماكن متخصصة لاحتضانه".
أما أحمد فراس (18 عاماً) فهو يصنع نماذج سيارات صغيرة تعمل من خلال توليد الطاقة الذاتية، بالاعتماد على ما تولده من طاقة في أثناء السير. يقول لـ "العربي الجديد" إن "الأفكار كثيرة في رأسي ولا أحتاج إلا إلى جهة توفّر لي مستلزمات عملي وتتبنى اختراعاتي. لكنني لم أحظ بتلك الفرصة حتى الآن".
إلى ذلك، كانت "تيدكس" وهي منظمة أميركيّة غير ربحية ترّوج للأفكار التي تستحق النشر وتدعم تلك "القادرة على تغيير العالم"، قد أوضحت أنّ العراق زاخر بالطاقات الشبابية المبدعة التي تضاهي قدراتها ما يتوفّر في دول المنطقة، والتي بمقدورها المنافسة على الصعيد العالمي. وفي حين أعلنت أنها ستتوجه إلى المدارس والجامعات لاكتشاف مزيد من المواهب لرعايتها ودعمها، دعت كل الجهات المعنية إلى الاهتمام بالموهوبين خدمةً للمجتمع العراقي. وفي سبتمبر/ أيلول الماضي، عقدت مؤتمراً في بغداد تقدّم للمشاركة فيه أكثر من 400 موهوب، لكن الاختيار وقع على مجموعة منهم عرضوا أفكارهم وابتكاراتهم، على أمل نيل فرصة لتبنّي مواهبهم من قبل جهات أجنبية مختصة.
اقرأ أيضاً: رسلي المالكي يبتكر "تقويماً هجرياً" جديداً