09 نوفمبر 2024
عن الغابة اللبنانية
من هم هؤلاء الذين يحكموننا في لبنان؟ من هم الذين يظنون أنفسهم آلهةً محميين من آلهةٍ غير مرئيين؟ من هم هؤلاء الذين لا يأبهون لموتنا اليومي، سواء بجرائم فردية أو بقتلنا بالنفايات والغذاء الفاسد وعلى أبواب المستشفيات، لا بل يتلقون رواتبهم منّا؟ إنها مأساةٌ في لبنان أن يدفع الضحايا لجلّاديهم كي يقتلوهم. من هم هؤلاء الذين لا يُمكن المساس بهم في أي لحظةٍ لأنهم "حرّاس طوائف"؟ وهم ليسوا سوى رجال عصاباتٍ تأنقوا، ووضّبوا بنادقهم بعد حرب لبنان، كي يخرجوها، كما يظنون، لاحقاً في أي حربٍ جديدة. لماذا لا يتعرّض أمثالهم لما نتعرّض له يومياً، في الطرقات والشوارع ويوميات الإدارات الرسمية؟ لماذا لا يشعرون بما نشعر؟ لا يبكون كما نبكي. لا يفرحون كما نفرح، حين نجد بضع أوراقٍ من المال في جيب بنطالٍ ما. يعتقد هؤلاء أن الدنيا تقف عند حدودهم. نجحوا في تدجين اللبنانيين، وجعلهم يتسمرّون أمام شاشات التلفزة لمشاهدة "فضيحة" ما، قد تكون فنية أو اجتماعية، من دون التطلّع إلى صناعة مستقبل أفضل.
من هم أولئك الذين يغطون آلاف المجرمين السارحين في لبنان، لدواعٍ طائفية وانتخابية، كي يقضي هؤلاء على كل ضحيةٍ يجدونها، من دون أدنى سبب؟ من هم هؤلاء الذين يعتقدون أن البشر مجرّد أرقام في بوصلة انتخابية، لا أشخاص يعملون كفاف يومهم، أو قابعين في يأسٍ في منازلهم من دون عمل، ينتظرون الفرج أو الانتحار؟ من هم هؤلاء المسؤولون الذين لا يتمكنون من معالجة أبسط ملف اجتماعي، فقط لأن الفساد بات أكبر من أي عملية إصلاحٍ ممكنة؟
يعيش هؤلاء على كرهنا المتبادل لبعضنا بعضاً، نحن الضحايا. يبنون أمجادهم على حروبنا الخاصة، المذهبية منها والسياسية، مع رفاقنا وعائلاتنا وزملائنا وأشخاصٍ لا نعرفهم. يريدوننا في غابةٍ مليئة بالكره المتبادل، لتبقى النار بعيدةً عنهم وعن كراسيهم. هؤلاء، هم هم، منذ أيام الاحتلالات المتعاقبة، لم يتغير صنفهم ولم يتبدل. يدركون أن وجودهم مستمدّ من وجود ممّن سبقهم. لا يأبهون لنا ولا يكترثون لبناء دولةٍ حقيقية تحمي سكانها. يريدون فقط البحث عن صفقةٍ جديدة. يعملون على تكديس أموالهم في مصارف خارجية، فيما دمائنا تسيل في الشوارع بسبب رصاص أزلامهم، أو محسوبين عليهم.
ابسطوا خريطة لبنان أمامكم. ليس كما تصفه كتب النوستالجيا، من تاريخٍ أو تربية. البحر ملاذ القاذورات. الجداول والينابيع والمياه الجوفية ليست ثروة طبيعية في لبنان، بل مخزن لاستيلاد أمراضٍ جديدة، بسبب رمي النفايات وأوساخ المصانع. انظروا إلى الجبال على الخريطة. تبدو جميلة وشاهقة، أليس كذلك؟ في الواقع إنها مسألة وقت، قبل أن تستحيل من ذكريات الماضي، بفعل تسارع عمل الكسّارات والمرامل. انظروا إلى المدن، لا تنظيم مدنياً فيها، أما الشقق والمنازل، فقد خُصّصت في معظمها لمن يملك ما يُعادل آلاف الرواتب لأي مواطنٍ وأولاده وأحفاده. مع ذلك، علينا البقاء على أهبّة الاستعداد لمشاركة أتراحهم، سواء في البكاء على "شهداء" لهم، أو في حال تلقوا ما يُمكن اعتبارها "نكسة سياسية". أما في أفراحهم، فنحن لسنا سوى عبء وُجب التخلّص منه.
لا أحد منهم وقف لحظة أمام جابي الكهرباء أو بائع الخضار أو صاحب الشقة المؤجرة أو طبيب أو مدير مدرسة، وقفة مليئة بالمهانة والذلّ والعار. أبداً. لا أحد منهم يدرك ماهية المكوث اليومي في قلب زحمة السير، من دون أفقٍ للتخلّص منها قريباً. لا أحد منهم وجد نفسه أسير مجرم لحظوي، وقف قبالته، فقط لأن شكل الضحية يستحقّ الموت.
تظنون أن لبنان سيتغير؟ أكيد لا. أقله ليس في السنوات القليلة المقبلة. هذا "اللبنان" لم يوجد قط سوى في أغانٍ ومسرحيات طفولية، وما تبقّى واقع نعيشه قبل أن يغدرنا قدرٌ ما.
من هم أولئك الذين يغطون آلاف المجرمين السارحين في لبنان، لدواعٍ طائفية وانتخابية، كي يقضي هؤلاء على كل ضحيةٍ يجدونها، من دون أدنى سبب؟ من هم هؤلاء الذين يعتقدون أن البشر مجرّد أرقام في بوصلة انتخابية، لا أشخاص يعملون كفاف يومهم، أو قابعين في يأسٍ في منازلهم من دون عمل، ينتظرون الفرج أو الانتحار؟ من هم هؤلاء المسؤولون الذين لا يتمكنون من معالجة أبسط ملف اجتماعي، فقط لأن الفساد بات أكبر من أي عملية إصلاحٍ ممكنة؟
يعيش هؤلاء على كرهنا المتبادل لبعضنا بعضاً، نحن الضحايا. يبنون أمجادهم على حروبنا الخاصة، المذهبية منها والسياسية، مع رفاقنا وعائلاتنا وزملائنا وأشخاصٍ لا نعرفهم. يريدوننا في غابةٍ مليئة بالكره المتبادل، لتبقى النار بعيدةً عنهم وعن كراسيهم. هؤلاء، هم هم، منذ أيام الاحتلالات المتعاقبة، لم يتغير صنفهم ولم يتبدل. يدركون أن وجودهم مستمدّ من وجود ممّن سبقهم. لا يأبهون لنا ولا يكترثون لبناء دولةٍ حقيقية تحمي سكانها. يريدون فقط البحث عن صفقةٍ جديدة. يعملون على تكديس أموالهم في مصارف خارجية، فيما دمائنا تسيل في الشوارع بسبب رصاص أزلامهم، أو محسوبين عليهم.
ابسطوا خريطة لبنان أمامكم. ليس كما تصفه كتب النوستالجيا، من تاريخٍ أو تربية. البحر ملاذ القاذورات. الجداول والينابيع والمياه الجوفية ليست ثروة طبيعية في لبنان، بل مخزن لاستيلاد أمراضٍ جديدة، بسبب رمي النفايات وأوساخ المصانع. انظروا إلى الجبال على الخريطة. تبدو جميلة وشاهقة، أليس كذلك؟ في الواقع إنها مسألة وقت، قبل أن تستحيل من ذكريات الماضي، بفعل تسارع عمل الكسّارات والمرامل. انظروا إلى المدن، لا تنظيم مدنياً فيها، أما الشقق والمنازل، فقد خُصّصت في معظمها لمن يملك ما يُعادل آلاف الرواتب لأي مواطنٍ وأولاده وأحفاده. مع ذلك، علينا البقاء على أهبّة الاستعداد لمشاركة أتراحهم، سواء في البكاء على "شهداء" لهم، أو في حال تلقوا ما يُمكن اعتبارها "نكسة سياسية". أما في أفراحهم، فنحن لسنا سوى عبء وُجب التخلّص منه.
لا أحد منهم وقف لحظة أمام جابي الكهرباء أو بائع الخضار أو صاحب الشقة المؤجرة أو طبيب أو مدير مدرسة، وقفة مليئة بالمهانة والذلّ والعار. أبداً. لا أحد منهم يدرك ماهية المكوث اليومي في قلب زحمة السير، من دون أفقٍ للتخلّص منها قريباً. لا أحد منهم وجد نفسه أسير مجرم لحظوي، وقف قبالته، فقط لأن شكل الضحية يستحقّ الموت.
تظنون أن لبنان سيتغير؟ أكيد لا. أقله ليس في السنوات القليلة المقبلة. هذا "اللبنان" لم يوجد قط سوى في أغانٍ ومسرحيات طفولية، وما تبقّى واقع نعيشه قبل أن يغدرنا قدرٌ ما.