31 اغسطس 2018
عن الروهينغا
بشير الكبيسي (العراق)
ربمّا يمكننا أن نختصرَ وظيفة الاتصال الذي يشمل الإعلام والدعايّة والإعلان والعلاقات العامة، بوظيفةٍ جذريّة، تشكلّ ركيزة أساسيّة من ركائز الاتصال الجماهيري، هي التأثير بمختلف أنواعهِ وأشكاله.
ويجنح القائمُ بالاتصال دائماً إلى استخدام أساليب مختلفة، حتى يتمكن من إيصال رسالته للجمهور المستهدف، وهي بالضرورة تحمل وجهات نظر القائم بالاتصال، وتهدف إلى التأثير في الآراء والأفكار والاتجاهات.
من الأساليب "النازيّة"، المشهورة والمفضوحة في آنٍ واحد، ما يعرفُ بأسلوب التركيز والتكرار، ويرتكزُ هذا الأسلوب على تكرار المعلومات، والتركيز عليها من دون إثارة الجدل حولها وطرحها للنقاش، بل يتم استقبالها على أنّها من المسلمات، ما يستدعيّ اهتمام الرأيّ العام بها، ولم يأت هذا الاهتمام من جرّاء وعيٍّ ذاتيّ، بل من "مُثيرٍ خارجيٍّ" دفعه لا شعوريًّا إلى الاستجابة، والسير مع الريح.
عاتبني صديق لأنني لم أعلن تضامني مع مسلمي الروهينغا، وهم أقليّة تقطن دولة ميانمار، ويضطهدها متعصبو الديانة البوذيّة، ونظام دكتاتوريٍّ رجعي يدّعي أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش، لذلك يرفضُ منحهم حقوقهم المدنيّة والسياسيّة، في حين يقول الروهنغيا إن ميانمار وطنهم، ولهم من الحقوق ما لدى البوذيين الذين يشكلون الأغلبية في البلاد التي تقع في جنوب شرق أسيا.
كثيرون مَنْ يتأثرون بالأساليب الدعائيّة التي تستخدمها وسائل الإعلام، فبمجرد انتشار فيديو عبر السوشال ميديا، أو عندما تنقل وسائل الإعلام خبراً عن قضيّةٍ ما، تحتاج إلى "المؤازرة" و"تهيج المشاعر" و"المواساة" و"همتكم يا مسلمين" و"لا تبخلوا بالدعاء"، يتذكرون أخوانهم في "الدين".
كلَّ شخصٍ يدّعي أو يعتقد أنه يمتلك "الحق" في محاسبة أو مضايقة أو الاعتداء أو الإملاء على أيِّ إنسانٍ كائناً مَنْ كان في دينه أو عقيدته أو مذهبه أو طائفته أو أيديولوجيته، فهو لا يختلف عمن يعتدي على مسلميّ الروهينغا، أخواننا في "الإنسانية" قبل أن يكونوا أخواناً في "الدين"، وهذا لا يشمل فقد المتعصبين البوذيين، بل أيضاً "بعض" المطبلين لهذه الحملة.
مشكلة البشريّة، أنّ كلَّ طائفةٍ تزعم أنها الطائفة الناجيّة، وتمتلك الحق، وتجتنب الباطل، وتبشر بأيديولوجيتها، وتدعو البشريّة الانضمام إليها، وهم غافلون عن الحقيقة القائلة: البشرَ مسيّرون فيما يتعلّق بدينهم وعقيدتهم ويتأثرون من حيث لا يشعرون بالعوامل النفسيّة والاجتماعيّة وبالبيئة التي يعيشون بها، فمَنْ يعتنقون ديناً ما في محض إرادتهم هؤلاء يشكلون القلة النادرة، أما الأغلبيّة فهم لا يختارون الدين الذي يستهويهم. ووفق هذا المنطق، يصبح من الظلم، أن يعتديَّ أيَّ إنسانٍ على إنسانٍ آخر بحجة أنّ دينه وعقيدته ضربٌ من الزندقة والإلحاد، ومَنْ يتفوّه بهذا الكلام، يجب أن يضعَ نفسه مكان "الزنادقة والملحدين" الذين عاشوا في بيئةٍ وظروفٍ اجتماعيّة ونفسيّة معنية، ألا يصبح ينعت الآخرين (الذين كان منهم) بمثل ما تفوّه به؟
يقول أحمد أمين، في كتابه "ظهر الإسلام" (ص131)، إنّ والي الموصل في العهد العثمانيّ جهَّز حملةً عسكريّة ضد اليزيديين شمال العراق، وذبح مائة ألف منهم. ويعلق عالِم الاجتماع العراقيّ علي الورديّ على هذ الفاجعة: "نسي هذا الوالي أنه لو كان نشأ في قريّةٍ يزيديّة من أبوين يزيديين لكان مثلهم يعبد الشيطان ويترنم بأماديحه ويذوب هياماً به وشوقاً إليه".
أودُّ أن أطرحَ سؤالاً هَهُنا: لو جرت حادثة اليزيديين هذه في زماننا، هل سنجد مثل موجة المواساة والمؤازرة والأدعية الصادقة للمائة ألف الذين ذهبوا فداء "حماقة" الوالي، أم سيصطف الغالبيّة مع الحاكم المسلم ضدّ الزنادقة والملحدين لإعلاء كلمة "لا إله إلا الله"!؟ أترك الإجابة للقارئ الفطن.
يجنح علماء دين كثيرون إلى اعتبار الحقيقة ذات وجه واحد كما يراها المنطق الأرسطوطاليسي، فلو تصارع فريقان إزاء أمرٍ ما، يعدون على سبيل المثال: فريق (أ) باطلاً، وفريق (ب) مُحقاً. ومن هنا منشأ كلّ الصراعات التي تحدث بين البشر لأن كلّ طائفة تعتقد أنّ الحقَ معها والباطل مع العدو، وهذه غريزة من الغرائز البشريّة التي لن تنضب.
ولكن وفق الفلسفة الهيغلية، نسبةً إلى هيغل، الحق والباطل أمران متلازمان، فحيث يكون الحق يكون الباطل معه، فإذا تنازع فريقان فإن هذا التنازع بينهما دليلاً على أن كلاً منهما محق ومبطل في آنٍ واحد.
ويجنح القائمُ بالاتصال دائماً إلى استخدام أساليب مختلفة، حتى يتمكن من إيصال رسالته للجمهور المستهدف، وهي بالضرورة تحمل وجهات نظر القائم بالاتصال، وتهدف إلى التأثير في الآراء والأفكار والاتجاهات.
من الأساليب "النازيّة"، المشهورة والمفضوحة في آنٍ واحد، ما يعرفُ بأسلوب التركيز والتكرار، ويرتكزُ هذا الأسلوب على تكرار المعلومات، والتركيز عليها من دون إثارة الجدل حولها وطرحها للنقاش، بل يتم استقبالها على أنّها من المسلمات، ما يستدعيّ اهتمام الرأيّ العام بها، ولم يأت هذا الاهتمام من جرّاء وعيٍّ ذاتيّ، بل من "مُثيرٍ خارجيٍّ" دفعه لا شعوريًّا إلى الاستجابة، والسير مع الريح.
عاتبني صديق لأنني لم أعلن تضامني مع مسلمي الروهينغا، وهم أقليّة تقطن دولة ميانمار، ويضطهدها متعصبو الديانة البوذيّة، ونظام دكتاتوريٍّ رجعي يدّعي أنهم مهاجرون غير شرعيين من بنغلاديش، لذلك يرفضُ منحهم حقوقهم المدنيّة والسياسيّة، في حين يقول الروهنغيا إن ميانمار وطنهم، ولهم من الحقوق ما لدى البوذيين الذين يشكلون الأغلبية في البلاد التي تقع في جنوب شرق أسيا.
كثيرون مَنْ يتأثرون بالأساليب الدعائيّة التي تستخدمها وسائل الإعلام، فبمجرد انتشار فيديو عبر السوشال ميديا، أو عندما تنقل وسائل الإعلام خبراً عن قضيّةٍ ما، تحتاج إلى "المؤازرة" و"تهيج المشاعر" و"المواساة" و"همتكم يا مسلمين" و"لا تبخلوا بالدعاء"، يتذكرون أخوانهم في "الدين".
كلَّ شخصٍ يدّعي أو يعتقد أنه يمتلك "الحق" في محاسبة أو مضايقة أو الاعتداء أو الإملاء على أيِّ إنسانٍ كائناً مَنْ كان في دينه أو عقيدته أو مذهبه أو طائفته أو أيديولوجيته، فهو لا يختلف عمن يعتدي على مسلميّ الروهينغا، أخواننا في "الإنسانية" قبل أن يكونوا أخواناً في "الدين"، وهذا لا يشمل فقد المتعصبين البوذيين، بل أيضاً "بعض" المطبلين لهذه الحملة.
مشكلة البشريّة، أنّ كلَّ طائفةٍ تزعم أنها الطائفة الناجيّة، وتمتلك الحق، وتجتنب الباطل، وتبشر بأيديولوجيتها، وتدعو البشريّة الانضمام إليها، وهم غافلون عن الحقيقة القائلة: البشرَ مسيّرون فيما يتعلّق بدينهم وعقيدتهم ويتأثرون من حيث لا يشعرون بالعوامل النفسيّة والاجتماعيّة وبالبيئة التي يعيشون بها، فمَنْ يعتنقون ديناً ما في محض إرادتهم هؤلاء يشكلون القلة النادرة، أما الأغلبيّة فهم لا يختارون الدين الذي يستهويهم. ووفق هذا المنطق، يصبح من الظلم، أن يعتديَّ أيَّ إنسانٍ على إنسانٍ آخر بحجة أنّ دينه وعقيدته ضربٌ من الزندقة والإلحاد، ومَنْ يتفوّه بهذا الكلام، يجب أن يضعَ نفسه مكان "الزنادقة والملحدين" الذين عاشوا في بيئةٍ وظروفٍ اجتماعيّة ونفسيّة معنية، ألا يصبح ينعت الآخرين (الذين كان منهم) بمثل ما تفوّه به؟
يقول أحمد أمين، في كتابه "ظهر الإسلام" (ص131)، إنّ والي الموصل في العهد العثمانيّ جهَّز حملةً عسكريّة ضد اليزيديين شمال العراق، وذبح مائة ألف منهم. ويعلق عالِم الاجتماع العراقيّ علي الورديّ على هذ الفاجعة: "نسي هذا الوالي أنه لو كان نشأ في قريّةٍ يزيديّة من أبوين يزيديين لكان مثلهم يعبد الشيطان ويترنم بأماديحه ويذوب هياماً به وشوقاً إليه".
أودُّ أن أطرحَ سؤالاً هَهُنا: لو جرت حادثة اليزيديين هذه في زماننا، هل سنجد مثل موجة المواساة والمؤازرة والأدعية الصادقة للمائة ألف الذين ذهبوا فداء "حماقة" الوالي، أم سيصطف الغالبيّة مع الحاكم المسلم ضدّ الزنادقة والملحدين لإعلاء كلمة "لا إله إلا الله"!؟ أترك الإجابة للقارئ الفطن.
يجنح علماء دين كثيرون إلى اعتبار الحقيقة ذات وجه واحد كما يراها المنطق الأرسطوطاليسي، فلو تصارع فريقان إزاء أمرٍ ما، يعدون على سبيل المثال: فريق (أ) باطلاً، وفريق (ب) مُحقاً. ومن هنا منشأ كلّ الصراعات التي تحدث بين البشر لأن كلّ طائفة تعتقد أنّ الحقَ معها والباطل مع العدو، وهذه غريزة من الغرائز البشريّة التي لن تنضب.
ولكن وفق الفلسفة الهيغلية، نسبةً إلى هيغل، الحق والباطل أمران متلازمان، فحيث يكون الحق يكون الباطل معه، فإذا تنازع فريقان فإن هذا التنازع بينهما دليلاً على أن كلاً منهما محق ومبطل في آنٍ واحد.