عن الاصطفاف

28 نوفمبر 2015
+ الخط -
ثمة شعور بالارتياب بات ينتابني، عندما أسمع أو أقرأ عن مبادرة جديدة للاصطفاف الوطني في مصر، لا سيما إذا خرجت من تيار ليبرالي أوعلماني، لطالما تشدق بالحرية واحترام حقوق الانسان والإرادة الشعبية والاحتكام للديمقراطية، وضرورة التعددية السياسية، ثم ما لبث أن تخلى عن تلك المبادئ الجميلة، مع كل اختبار ديمقراطي، اجتازه التيار الإسلامي، وفي مقدمته جماعة الإخوان المسلمين، لتصبح ديمقراطية على المزاج وتعددية سياسية، حسب المصلحة وتحت الطلب.
يكثر الحديث عن مبادرات وبيانات قبل اقتراب أي فعالية ثورية (ذكرى 25 يناير نموذجاً) عن ضرورة الاصطفاف والالتحام بين شركاء ثورة 25 يناير المختطفة، ولملمة جراح الماضي القريب، والقفزعلى المصالح الإيديولوجية الضيقة، وتضييق الخلافات الحزبية لعبور المرحلة الراهنة، لكنها لا تعدو كونها مبادرات حبر على ورق، ماتت قبل أن تولد، لأنها تفقد الغطاء الشعبي اللازم لنجاحها، ذلك أن من يتحدث من الغرف المكيفة بعيداً عن آلام الشعب الحقيقية في الشوارع والمعتقلات، لا يمثل إلا نفسه.
يصر داعون كثيرون إلى الاصطفاف الوطني، وعن عمد وبخبث مكشوف أن يتجاوزوا الإرادة الشعبية التي يتغنون بها ليل نهار، عندما يسقطون حق عودة الرئيس المختطف محمد مرسي إلى الحكم، وكأنه جاء للحكم بانقلاب أو بقوة السلاح وهو الذي انتخبه الشعب المصري بحرية وشفافية لأول مرة في التاريخ، وكأنها قضية شخصية مع الإخوان المسلمين التي خرج من رحمها الرئيس مرسي.
جاء بيان حركة 6 إبريل الجديد مستفزاً أكثر من اللازم، فهو ردة أخلاقية للحركة، لأنه بلا طعم ولا لون ومائع الفكرة والمضمون، ولا يخدم سوى سلطة الانقلاب، بل وكُتب لإنقاذ النظام من الغرق الوشيك، خشية تصدر الإسلاميين مشهد الحكم مرة أخرى، ربما خوفاً من هاجس الانتقام جزاء تواطئهم مع العسكر في السر والعلن، بهدف إزاحة "الإخوان" من الحكم حتى ولو بشكل غير ديمقراطي كما حدث في 3 يوليو/تموز 2013.
قمة الاستفزاز في عنوان البيان "قبل الطوفان"، في إشارة واضحة لتحركات ذكرى 25 يناير المرتقبة، وكأن الحركة أرادت أن تنتشل الانقلاب من الغرق قبل طوفان 25 يناير كما ألمحت، فلم تذكر كلمة "انقلاب"، ولم يحدثنا البيان عن مستقبل نظام عبد الفتاح السيسي أو مصيره، ثم اختصر أزمة البلاد في وضعها الاقتصادي المتردي عبر الدعوة إلى حوار مجتمعي يقرب وجهات النظر، ويُقلص الهوة فيما بين القوى السياسية، على أن يكون على أجندة الحوار تشكيل حكومة تكنوقراط ذات توجه اقتصادي، وتدشين ميثاق شرف إعلامي حسبما قال البيان.
الأكثر إثارة في البيان في سطره الأخير، الذي يدعو، نصاً، إلى بدء ترسيم العلاقات المدنية العسكرية، قبل أن تحدد لنا الحركة تفصيلاً كيف يتم ترسيم هذه العلاقات؟ ومن الذي سيقوم بترسيمها؟ وما دور القيادات العسكرية الحالية في هذا الترسيمة؟ وقبل هذا وذاك من هو الوكيل أو المتحدث باسم الطرفين المدني والعسكري؟
أسئلة كثيرة فجرها البيان الباهت، وهي لا تصب، في النهاية، إلا في مصلحة الانقلاب الذي يُمثل لها طوق نجاه قبل الطوفان (بتعبير الحركة)، ولا يُحقق إلا مزيدا من الاستقطاب والانقسام والبلبلة.
الاصطفاف الذي يأتي على دماء الشهداء، ولا يضمن عودة الحقوق إلى أصحابها وفي مقدمتها الإرادة الشعبية المغتصبة، متمثلةً في الرئيس المنتخب، محمد مرسي، يعد جريمةً تساوي جريمة الانقلاب نفسه، ولا يساوي الحبر الذي كتب به، ذلك أن مرسي لا يمثل جماعة الاخوان المسلمين كما يروجون، بل غالبية الشعب الذي انتخبه، لأن عودته هي الضامن لعدم تكرار السيناريو نفسه في المستقبل، حيث أن من أتى بإرادة شعبية عبر صناديق الديمقراطية لا يُعزل إلا بالصناديق نفسها.
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
رضا حمودة (مصر)
رضا حمودة (مصر)