عن الإشراف الدولي احتمالاً

29 ابريل 2017
+ الخط -
من الأسئلة التي تطرحها الضربة الأميركية للشعيرات، والتطورات المرتقبة التي يتوقع أن تنتجها خطة أميركية رباعية المراحل، أعلن أن تطبيقها سيطرد "داعش" من الموصل والرقة، خلال فترة بين ستة أشهر وعام، ارتبط اعتمادها باعتقاد واشنطن على أن القضاء على الإرهاب هو شرط حل المعضلة السورية وإخراجها من تعقيداتها الداخلية والخارجية، وإقامة أربع مناطق استقرار في سورية، إن قبلتها روسيا والنظام غدت مدخل حل سياسي دولي، سيبدأ بوقف إطلاق نار تضمن الدولتان الكبيرتان استمراره.
هذه الخطة، بجداولها الزمنية والتنفيذية للحل المقترح، يفترض أن تقيم، خلال قرابة عام، مناطق استقرار أميركية، إن دعمتها روسيا فُتح الباب أمام وضع كامل سورية تحت إشراف دولي، تتولاه الدولتان الكبيرتان، فإن حجبت روسيا دعمها، لم يبق أمام واشنطن غير فرضها بالقوة، عبر انخراط عسكري واسع في الحرب، وإلا فصرف النظر عنها، وتصعيد الحرب بالواسطة إلى مستوى غير مسبوق، سيضع الدولتين الكبيرتين أمام سياسات حافة الهاوية، أي على مشارف مواجهةٍ مباشرةٍ تزيد خطرها زحمة السلاح والمسلحين، وتناقضات أهدافهم في الساحة السورية، وما وراءها.
ثمّة دلائل تؤكد رغبة واشنطن في طرد "داعش" من الموصل والرقة. إن حدث هذا، وقع تبدل سياسي مفصلي بالنسبة إلى السوريين، من شأنه تعزيز فرص العودة إلى معادلة الثورة الأولى، حين كان الخيار الديمقراطي البديل الوحيد للنظام، قبل أن يحل بديل التيار المذهبي محله، بالتلازم مع صعود الإرهاب وتزايد عنف النظام. سيعيد ضرب الإرهاب طرح السؤال حول قدرة مؤسسات المعارضة على تولي الأمر في دمشق، وبالتالي إصلاح أوضاعها وعلاقاتها في الأشهر القليلة التي تفصلنا عن ضرب البديل المذهبي/ الإرهابي، وإقناع العالم بأنها مؤهلة للقيام بما تتطلبه السانحة المتاحة، ولبناء بديل ديمقراطي، يستطيع نقل سورية من الأسدية إلى نظام الحق والقانون والحريات الذي طالب شعبها به، فضلاً عن بذل الجهود الضرورية لتخطي الموقف الروسي/ الإيراني الداعم للأسد ونظامه، وتحفظات تركيا وبعض الخليج على الحل.
إذا كانت المعارضة غير قادرةٍ على إنجاز هذا العمل، هل ستتخلى واشنطن عن خططها وتنتظرها، ريثما تقرّر إصلاح أحوالها، أم ستعطي الأولوية للتفاهم مع موسكو حول خطةٍ تضمن مصالحهما، تضع سورية بكاملها تحت إشراف دولي، تتوليانه بقرار من مجلس الأمن، تنفذانه بواسطة إدارات ذاتية يقودها أشخاص لا ينتمي معظمهم بالضرورة إلى مؤسسات المعارضة الحالية. أو مجلس عسكري، أو سياسي/ عسكري، يضم ممثلين للطرفين المتصارعين وآخرين. ستعمل هاتان الجهتان تحت إشراف هيئة أميركية/ روسية عليا، ستتولى صلاحيات الأسد، وتعمل لإعداد سورية لحل سياسي تدرجي، انطلاقاً من وقف إطلاق النار، وعودة المهجرين إلى بيوتهم، وبدء الإعمار.
إلى جانب النجاح في إعادة هيكلة المؤسسات المعارضة، السياسية والعسكرية، سيتوقف وضع سورية تحت إشراف دولي على كسر الاستعصاء التفاوضي بين النظام ومعارضيه، وهو الذي يعني استمراره في إحباط فرص الحل السياسي جعلَ الإشراف الدولي احتمالاً مرجحاً، ما لم تعجز الدولتان عن التفاهم عليه، وتقرّرا خوض صراع يمتد سنواتٍ، قد يمزّق سورية ويقضي عليها.
في مواجهة هذا الاحتمال الكارثي، لن يبقى لدى المعارضة غير خيارٍ يبدو مستحيلاً، هو التوصل إلى حل مع النظام، وآخر صعب بدوره، لكنه يستحق المحاولة، يكمن في ترتيب أوضاعها، بحيث تقتنع الدولتان بأن مصالحهما ستكون مضمونةً بقدر ما تساعدان السوريين على نيل حقوقهم.
يرجّح الاستعصاء الإصلاحي والتفاوضي فرص الميل إلى وضع سورية تحت إشراف دولي ترعاه الدولتان، يخرجهما من مخاطر مواجهة حافلة بالأخطار. والآن: هل الإشراف الدولي محتم؟ لا أجزم، لكنني أعتقد أن الوسائل التي استخدمت، خلال الأعوام الماضية، لحل الصراع في سورية وعليها، كانت غير ملائمة، لأنها كانت هي نفسها محل صراع بين المنخرطين في الشأن السوري، وأن ممارسة إشراف دولي أميركي/ روسي سيمد الدولتين بوسائل فاعلة جداً للتنسيق والعمل المشترك الذي يبدو أن واشنطن تفضل اعتماده، كي لا تكون عملية الشعيرات ضربة عصا على ماء، سرعان ما تتلاشى آثارها من دون أن تحدث فارقاً، أو تحد من مخاطر تمسك بخناق جميع أطراف الصراع المحليين والإقليميين والدوليين الذين تعبوا منه، وأمعنوا في الغوص فيه، بقدر ما حاولوا الخروج منه.
E4AA2ECF-ADA6-4461-AF81-5FD68ED274E9
ميشيل كيلو

كاتب سوري، مواليد 1940، ترأس مركز حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير في سورية، تعرض للاعتقال مرات، ترجم كتباً في الفكر السياسي، عضو بارز في الائتلاف الوطني السوري المعارض.