06 نوفمبر 2024
عن استراتيجية الأمن القومي الأميركية
بعد أقل من عام على توليه الرئاسة، أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن استراتيجية الأمن القومي لإدارته، وهو تقليد يتبعه الرؤساء الأميركيون منذ عام 1986، ويستعرضون فيه أبرز التحديات التي تواجه حكومتهم، والكيفية التي سيتعاملون بها معها. في الأحوال العادية، تعد استراتيجية الأمن القومي الأميركي وثيقة بالغة الأهمية، لكن أهميتها تزداد في حال انتقلت السلطة من حزب إلى آخر. فمع تسلّم كل إدارة يتغير طاقم صناع القرار على المستويات العليا والمتوسطة. وفي معظم الأحيان، إن لم يكن في جميعها، تأتي الإدارة الجديدة بمنظومة فكرية وفلسفية مختلفة عن سابقتها. مع ترامب، يتوقع أن يتولد الاهتمام من طبيعة الرجل، وأسلوب إدارته، إلى جانب مضامين استراتيجيته، والتي جاءت أقرب إلى المواقف التقليدية للحزب الجمهوري منها إلى المواقف الشعبوية التي أطلقها في حملته الانتخابية.
في العناوين العريضة، وعلى الرغم من أنها جاءت في إطار شعار "أميركا أولاً" الذي رفعه، يمكن القول إنه ليس هناك تغيير كبير في الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة تحت إدارة ترامب، إذ تسعى إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسة، تعد محل إجماع بين ما تسمى نخب "الساحل الشرقي" (أي أنها فوق حزبية)، وهي: حماية البر الأميركي، تعزيز الرخاء الاقتصادي، فرض السلام من خلال القوة، وأخيرا ضمان استمرار التفوق الأميركي، العسكري والتكنولوجي خصوصا. وفي التفاصيل، يمكن ملاحظة استمرارية فيما يخص التهديدات الاستراتيجية والعلاقة مع المنافسين على الساحة الدولية (high politics)، واختلافات كبرى فيما يتصل بقضايا التجارة الحرّة والمناخ والهجرة (low politics) مقارنة بسياسات إدارة أوباما. إذ استمرت الاستراتيجية الجديدة في اعتبار روسيا والصين منافسيْن كبيرين، وقوتين تسعيان إلى تغيير نظام ما بعد الحرب الباردة، أي نظام الهيمنة الأميركي الذي ساد منذ ذلك الحين. لكنها جاءت أكثر وضوحاً في اتهام "الصين وروسيا بأنهما تحاولان إنشاء عالم نقيض للقيم والمصالح الأميركية". لا بل ذهبت الاستراتيجية الجديدة إلى اتهام الصين بمحاولة إخراج الولايات المتحدة من شرق آسيا والمحيط الهادئ (فيما تحاول روسيا بالتعاون مع إيران فعل الشيء نفسه في الشرق الأوسط). بالمثل، جاءت الاستراتيجية الجديدة بمثابة استمرار لسياسة أوباما في محاولة إنشاء موازين قوى إقليمية، تغني واشنطن عن التدخل العسكري المباشر، لمنع هيمنة المنافسين في أقاليم بعينها، خصوصا الصين في آسيا وإيران في الشرق الأوسط. لكن المرء يمكنه، مع ذلك، تلمّس تشدد أكبر تجاه إيران، في مقابل مرونة أكبر تجاه روسيا مقارنة بالإدارة السابقة. أما في قضايا (low politics) فنجد تشدّدا أكبر في قضايا الهجرة، وسعيا إلى اتفاقاتٍ اقتصادية دولية أكثر تفضيلا للمصالح الأميركية، وتجاهلا كليا للتغيرات المناخية، والاتفاقات الدولية الخاصة بها، لا بل ذهبت الاستراتيجية الجديدة إلى حد الزعم أن التغيرات المناخية لا تمثل تهديدا للأمن القومي الأميركي. وكما هو متوقع، جاءت استراتيجية ترامب خالية من أي إشارة إلى تشجيع الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، في حين أنها شدّدت على تعزيز التحالفات مع الشركاء الإقليميين، خصوصا في الجوانب الأمنية والاستخباراتية، وهي طريقة أخرى للقول إن واشنطن لا ترى بأسا في نظم الاستبداد.
وبغض النظر عن مدى توافقها أو اختلافها، استمرارها أو قطعها مع السياسات الأميركية السابقة، ستترك هذه الاستراتيجية تداعياتٍ كبيرة على النظام الدولي، وعلى موقع أميركا فيه. إذ ستؤدي، من جهة، إلى عزلة عن الحلفاء الرافضين مقاربة ترامب بخصوص التجارة والبيئة والهجرة وغيرها (لاحظ مثالا على ذلك نموذج التصويت في مجلس الأمن حول رفض قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال). كما ستؤدي هذه الاستراتيجية، من جهة أخرى، إلى رصّ صفوف الخصوم المستهدفين (روسيا - الصين - إيران). ويبدو أن الرئيس الروسي يستعد، في ضوء خيبة أمله في إصلاح العلاقة مع واشنطن، لقيادة معسكر الخصوم، مع بدء ولايته الرئاسية الجديدة بعد "انتخابات" الربيع المقبل، إذ يمضي في شراكته الاستراتيجية مع الصين، وتقاطع مصالحه مع إيران، وتقاربه المتنامي مع تركيا وباكستان. وحدهم حلفاء ترامب العرب ماضون في ركبه، يسوقهم وهم أنه سيواجه لهم إيران. لم لا، ألم يدفعوا له كلفتها!
في العناوين العريضة، وعلى الرغم من أنها جاءت في إطار شعار "أميركا أولاً" الذي رفعه، يمكن القول إنه ليس هناك تغيير كبير في الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة تحت إدارة ترامب، إذ تسعى إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسة، تعد محل إجماع بين ما تسمى نخب "الساحل الشرقي" (أي أنها فوق حزبية)، وهي: حماية البر الأميركي، تعزيز الرخاء الاقتصادي، فرض السلام من خلال القوة، وأخيرا ضمان استمرار التفوق الأميركي، العسكري والتكنولوجي خصوصا. وفي التفاصيل، يمكن ملاحظة استمرارية فيما يخص التهديدات الاستراتيجية والعلاقة مع المنافسين على الساحة الدولية (high politics)، واختلافات كبرى فيما يتصل بقضايا التجارة الحرّة والمناخ والهجرة (low politics) مقارنة بسياسات إدارة أوباما. إذ استمرت الاستراتيجية الجديدة في اعتبار روسيا والصين منافسيْن كبيرين، وقوتين تسعيان إلى تغيير نظام ما بعد الحرب الباردة، أي نظام الهيمنة الأميركي الذي ساد منذ ذلك الحين. لكنها جاءت أكثر وضوحاً في اتهام "الصين وروسيا بأنهما تحاولان إنشاء عالم نقيض للقيم والمصالح الأميركية". لا بل ذهبت الاستراتيجية الجديدة إلى اتهام الصين بمحاولة إخراج الولايات المتحدة من شرق آسيا والمحيط الهادئ (فيما تحاول روسيا بالتعاون مع إيران فعل الشيء نفسه في الشرق الأوسط). بالمثل، جاءت الاستراتيجية الجديدة بمثابة استمرار لسياسة أوباما في محاولة إنشاء موازين قوى إقليمية، تغني واشنطن عن التدخل العسكري المباشر، لمنع هيمنة المنافسين في أقاليم بعينها، خصوصا الصين في آسيا وإيران في الشرق الأوسط. لكن المرء يمكنه، مع ذلك، تلمّس تشدد أكبر تجاه إيران، في مقابل مرونة أكبر تجاه روسيا مقارنة بالإدارة السابقة. أما في قضايا (low politics) فنجد تشدّدا أكبر في قضايا الهجرة، وسعيا إلى اتفاقاتٍ اقتصادية دولية أكثر تفضيلا للمصالح الأميركية، وتجاهلا كليا للتغيرات المناخية، والاتفاقات الدولية الخاصة بها، لا بل ذهبت الاستراتيجية الجديدة إلى حد الزعم أن التغيرات المناخية لا تمثل تهديدا للأمن القومي الأميركي. وكما هو متوقع، جاءت استراتيجية ترامب خالية من أي إشارة إلى تشجيع الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان، في حين أنها شدّدت على تعزيز التحالفات مع الشركاء الإقليميين، خصوصا في الجوانب الأمنية والاستخباراتية، وهي طريقة أخرى للقول إن واشنطن لا ترى بأسا في نظم الاستبداد.
وبغض النظر عن مدى توافقها أو اختلافها، استمرارها أو قطعها مع السياسات الأميركية السابقة، ستترك هذه الاستراتيجية تداعياتٍ كبيرة على النظام الدولي، وعلى موقع أميركا فيه. إذ ستؤدي، من جهة، إلى عزلة عن الحلفاء الرافضين مقاربة ترامب بخصوص التجارة والبيئة والهجرة وغيرها (لاحظ مثالا على ذلك نموذج التصويت في مجلس الأمن حول رفض قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال). كما ستؤدي هذه الاستراتيجية، من جهة أخرى، إلى رصّ صفوف الخصوم المستهدفين (روسيا - الصين - إيران). ويبدو أن الرئيس الروسي يستعد، في ضوء خيبة أمله في إصلاح العلاقة مع واشنطن، لقيادة معسكر الخصوم، مع بدء ولايته الرئاسية الجديدة بعد "انتخابات" الربيع المقبل، إذ يمضي في شراكته الاستراتيجية مع الصين، وتقاطع مصالحه مع إيران، وتقاربه المتنامي مع تركيا وباكستان. وحدهم حلفاء ترامب العرب ماضون في ركبه، يسوقهم وهم أنه سيواجه لهم إيران. لم لا، ألم يدفعوا له كلفتها!