تطبيل طوال الأسابيع الماضية من الجماهير، وحديث عن "سوبر كلاسيكو" أسطوري وعالمي بين بوكا جونيورز وريفر بليت في نهائي كوب ليبرتادوريس، الموازي لمسابقة دوري أبطال أوروبا.
إعلامٌ زحف من كلّ حدبٍ وصوب لمتابعة المباراة الجماهرية، التي يرى البعض أن على كلّ شخصٍ في هذا العالم حضورها قبل موته، أي أن يوجد في البومبونيرا أو المونتومنتال يوماً ما.
حسناً لا بأس بذلك، المباراة على المستوى الجماهيري من خلال السنوات الماضية، أمرٌ مغرٍ حتى لي بكلّ ما تعنيه الكلمة من معنى، فأولئك المشجعون العاطفيون للغاية، المحبون لكرة القدم ولفريقهم، مختلفون عن نوعية المشجعين في أوروبا، ويدفعونك من خلال حبهم إلى متابعة ناديهم المفضل، لكن في الوقت عينه يتصرفون بسلبية حين يلامسون سفح جبلٍ اسمه "الشغف".
عن أي شغف نتحدث؟ عن ذلك الذي يتسبب في إصابة لاعبين من خلال تكسير حافلتهم أو ضرب شرطي وتحطيم الممتلكات العامة؟ أنا هنا لا أتحدث عن المنافسة بين ريفر وبوكا في أرضية الميدان، فالأمر ربما ليس مغرياً على الصعيد الفني، أنت كمشاهدٍ لن تجد إبداعات ليونيل ميسي في أرضية الميدان، قد تحصل على لمحة فنية واحدة، ومعارك ومشادّات أكثر بعشرات المرات.
بالعودة إلى ذلك الشغف، الذي أتحفنا به الجميع طوال الفترة الماضية، عن عشق الجماهير لفريقها، الذي أدّى إلى تشويه صورة الكرة الأرجنتينية بأكملها، وأثّر على حظوظها في استضافة كأس العالم 2030 مع الأوروغواي، بعدما عاد جياني إنفانتينو غاضباً إلى القارة الأوروبية، مما شاهده من تفلتٍ وعدم قدرة الأمن على ضبط الأمور.
في شوارع بوينس آيرس، تحول ذلك الشغف الذي لم يغب عن حديث مواقع التواصل الاجتماعي، إلى آلة حرب، قتال شوارع وأعمال عنف غاز مسيل للدموع من الشرطة على مشجعين من دون أي مبرر، فقط بسبب طيشٍ لا فائدة منه.
هؤلاء "العشاق" الوهميون، الذين لا يمتّون لكرة القدم بصلة، قضوا على صورة مباراة كلاسيكية بين فريقين عريقين، لعب لصالحهما العديد من الأساطير على غرار مارادونا وأورتيغا وريكلمي وإيمار.
مشجعو كرة القدم، يحق لهم أن يكونوا مولعين بناديهم ولاعبيه، يحق لهم التشجيع بحماسة في المدرجات، بأن يوقدوا ربما الشماريخ، حتى إن أحداً لن يُحاسبهم على تلك الشتائم التي يرددونها في بعض الأحيان، هذا الأمر منتشرٌ في كلّ أنحاء العالم، مورينيو شُتم من جماهير يوفنتوس طوال 180 دقيقة!
ثقافة التحطيم والاعتداء غير مقبولة البتة في شارع كرة القدم، ربما تصبح أمراً مشروعاً بالنسبة لي، في حال كانت ضد حاكمٍ فاسد أو غلاء فاحش، لنقل إن ما يحصل في فرنسا حالياً هو صورة لثورة مصغرة مبررة لأناس رفضوا رفع سعر صفيحة المحروقات والسياسة الاقتصادية للرئيس ماكرون، لذلك مهما حطموا، فهذا حقهم كي يتسجيب من كرسيّه لمطالبهم.
لكن أن نجد أناساً يهللون لعشق الأرجنتينيين لكرة القدم وثقافة التحطيم والعنف، بعدما خربت فئة منهم مباراة كانت منتظرة في جميع العالم، فهذا الأمر معيبٌ جداً، ليذهب هذا العشق والشغف إلى الجحيم إذاً.