عن أمثالنا الدموية وحكاياتنا العنيفة

10 سبتمبر 2014
هل نسينا تشذيب موروثنا الشعبي من العنف؟ (Getty)
+ الخط -
أصدر الرواة الغربيون طبعات بنهايات سعيدة وأقلّ دموية للحكايات الشعبية، التي كانت تنتهي غالباً بموت شنيع للبطل أو الشرّير. ففي القصّة الأصلية مثلا يمزّق الذئب "ذات الرداء الأحمر"، بينما في النسخ الحديثة كُتِبَت لها النّجاة.

حكاياتنا العربية لم تحظَ بمن يعيد روايتها ويعطيها نهاية سعيدة، ويخفّف وحشيتها. كما في حكاية البنت التي أطعمتها أختاها بيض الحَبَل، فحَبِلَت وهربت خوفاً من أن يقتلها والدها. وحين عرف الأب عاقب ابنتيه كالتالي: صنع من جلديهما سجّادة تمشي أختهما عليها، من عظامهما سلالم توصلها إلى السطح، من شعرهما وأمعائهما حبالاً لغسيل طفلها. وفي حكاية ثانية يفقأ أخٌ عيني أخيه مقابل إطعامه رغيفي خبز. وفي أغنيات المهد العربية وعود بذبح الحمام وأمنيات الأمّ بأن تموت قبل طفلها. كذلك في الأمثال الشعبية.

كأن العنف يدخل في نواة تربية الأطفال العرب، فحين يسلّم الأهل ابنهم للأستاذ يقولون له: "إلك اللحم وإلنا العظم". هكذا يخوّلونه ضرب طفلهم حتّى يصل إلى عظامه. وفي معجم الحياة اليومية يُغرِق الأهل أطفالهم بتهديدات من نوع: بدّي أقبرك، إدبحك، أخنقك، كسّر عظامك..، وحتّى حين يريدون التعبير عن محبّتهم يستعملون عبارات عنيفة يهيمن عليها الموت، مثل: تقبر عظامي، تشكُل آسي (أن أموت قبلك وتضع الآس فوق قبري)، يعدّمني ياك...

يعتبر بعض علماء النفس والتربية أنّ العنف أصيلٌ في البشر، ويوصون بتنفيسه باكراً، مشرّعين مقداراً بسيطاً منه في البرامج التلفزيونية والألعاب، ويحذّرون من تحويله إلى مفردة عادية في الحياة اليومية.

العنف إذاً في جيناتنا مثله مثل الخير والطاعة والشرّ، لكن مع تعقيدات المشاكل الاجتماعية والسياسية وتراكمها في مجتمعاتنا يجد ذلك المخزون من العنف بيئة حاضنة، بل حتى مؤجّجة، ترفدها نصوص دينية كثيرة تحضّ على القصاص العنيف. لم يَخلق الموروث الشفاهي العنفَ، بل هو أحد موضوعاته فقط. لكنّ عدم تشذيب هذا الموروث من العنف الزائد والمؤثّر لا شكّ في أنّه مسؤول عن العنف الوحشي لدى جيل الدواعش وأشباههم.
المساهمون